: آخر تحديث

مصر... صراع الاسماء والازياء

27
28
24

بينما لا يمل رجال الدين المسيحيين (نتحدث من مصر) من توبيخ المرأة المسيحية على (عدم الاحتشام) وخصوصا فى الاجتماعات والمناسبات الدينية فى الكنائس وغيرها، فى الوقت الذى لا تمل هى من التوغل أكثر وأكثر والتفنن فى ارتداء كل جديد مهما كانت (المساحات المكشوفة)، ولا أعتقد أن هناك شبهة تحدي من المرأة لرجال الدين وأيضا لا أعتقد أن هناك رغبه منها فى عدم الاحتشام، ولكنه رد فعل مستتر ومقاومة صامتة ودفاع مبطن عن هوية يحاول الآخرون طمسها باعتبار الزي من أهم عناصر الهوية الظاهرة، ولم يكتف الاقباط بالتوغل فى الأزياء ووشم الصلبان على الاجساد لكنهم أنشأوا نسق ثالث بغرض تعزيز الدفاع عن هويتهم المهددة فتوغلوا أكثر فى الاسماء باعتبارها وسيلة دفاع غير مادية وغير مرئية وتجاوزوا بمراحل الاسماء الواردة فى الكتاب المقدس بعهديه تلك التى كانت سائدة كتراث مقبول من الجميع فى المجتمع، أما الآن فتتراوح ما بين الاسماء الفرعونية والاجنبية وحتى اللاتينية وحتى أسماء لا نعرف معانيها فقط امعانا فى التوغل للدفاع عن مكون رئيس لهوية مهددة بالاندثار.

ومن المؤكد أن شبح درس مأساة ضياع اللغة القاسي لا زال ماثلا فى الخلفية التاريخية المؤلمة، ولذا فان التوغل فى الوسائل المتاحة للحفاظ على ما تبقى من الهوية وعلى رأسها الاسماء والأزياء بالاضافة الى المأكل والمشرب هو لب الصراع المستعر والمستتر الآن بين العرقين الرئيسين المكونين للأمة المصرية، وكم حاول ولا يزال أعداء التعدد والاختلاف بحكم الاغلبية فرض قوانين وأعراف وقيود لطمس أى  ظهور لأي ثقافة مغايرة أو مختلفة ملبس أومأكل أومشرب، وصلت فى أحايين كثيرة (ولا زالت) الى حد الارهاب المادي والمعنوي، وفي الذاكرة القريبة مشاهد مروعة ومؤلمة لاعدام وذبح حيوانات بريئة تحت مقولة وقاية صحي ثبت دلاستها وكذبها الا أن السبب الحقيقي كان سبب طائفي بامتياز وهو القضاء على ثقافة مغايرة حتى فى ما يأكله الناس.                

وقد كان مؤشر الأسماء هو أصدق مؤشر ينبئ بالحالة الطائفية فى مصر صعودا وهبوطا احتقانا ووئاما عبر الحقب المختلفة، ففى الستينات على سبيل المثال كان أقصى تطرف مسيحى فى الاسماء هو أسماء وردت فى الكتاب المقدس بعهديه وبعض الاسماء الفرعونية الشائعة حيث نهر الفرز والتمييز لم يكن قد جرى بهذه العنفوان الهادر حين أعطى السادات الضوء الأخضر لتيارات متطرفة لمواجهة معارضيه من الاشتراكيين والناصريين وجرى ما جرى ولا زال يجرى حتى يومنا هذا.   

وفى عموم الشام فلسطين وسوريا والأردن وحتى وقت قريب كان من الصعب الاستدلال على عقيدة شخص من اسمه وأظن الأمور لم تعد على حالها حيث لم تكن تيارات العزل والفرز والتمييز قد تمكنت بعد من مفاصل هذه المجتمعات.

ولا أظن أن وتيرة صراع الهوية المحتدم سوف تهدأ الا بنشر ثقافة قبول التعدد والاقتناع بأن الاختلاف ثراء وليس صراع وكبح جماح تيارات دينية تغذي هذا الصراع بنشر أفكار عنصرية بغيضة هدفها الرئيس هو الفصل العنصري والفرز والتمييز باسم الدين وابقاء جزوة الصراع مشتعلة لاستثمارها فى السيطرة على عقول الجهلة والدهماء واستجلاب تمويلات مشبوهة بدعوى الجهاد ونصرة الدين، والحقيقة أنهم يتحينون الفرصة للانقضاض على السلطة لاقامة نظم حكم ثيوقراطية عفا الزمن عليها وعلى أحكامها وباتت مرفوضة حتى من اتباعها.

 

#فضاءـالرأي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في