: آخر تحديث

انتشار ثقافة العنف في تونس

24
31
20
مواضيع ذات صلة

خلال السنوات السبع الأخيرة، برزت في تونس ظاهرة خطيرة تتمثل في استفحال ثقافة العنف، وانتشارها بشكل مفزع ومريب، منذرة بخراب العمران، وتخريب الدولة ومؤسساتها، وتقويض الوحدة الوطنية، ونسف المشروع الديمقراطي الذي لا يزال هشا.

ويرى البعض من المختصين في الشأن التونسي أن هذه الثقافة غريبة عن تاريخ البلاد المعاصر تحديدا.
وهم على حق استنادا إلى أن النخب التونسية فضلت مقاومة الإستعمار الفرنسي بما كان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ب"سياسة الكرّ والفرّ"، مُغلبة الحوار على السلاح، والديبلوماسية الذكية والمرنة على التصلب والقوة.

وباستثناء اغتيال الزعيم صالح بن يوسف بسبب خلافه مع بورقيبة،  لم تشهد تونس اغتيالات سياسية كالتي عرفتها بلدان كثيرة من العالم الثالث. وخلال فترة حكم بورقيبة وبن علي، عرفت تونس انتفاضات شعبية، ومواجهات عنيفة بين النظام والنقابات، إلاّ أن لغة الحوار والتشاور تغلبت في النهاية على لغة العنف والتهديد والوعيد.

وإذن من أين تتغذّى ثقافة العنف التي تشهدها تونس راهنا، وما هي مصادرها؟ للإجابة على هذا السؤال علينا أولا أن نعود إلى تاريخ تونس القديم الموسوم بكثير من الفتن الدينية، والنزاعات العشائرية التي ظلت آثارها مخفية مثل النار تحت الرماد.
كما يمكن أن نفسر بروز ثقافة العنف برواسب الغزو الهلالي للبلاد. ذلك الغزو الذي خرب العمران، وأحرق المدن، ونشر الفوضى والهمجية. وتتحمّل الحركات الأصولية مسؤولية كبيرة في استفحال ثقافة العنف. فعند ظهورها في نهاية السبعينات، وبداية الثمانينات من القرن الماضي، راحت هذه الحركات تحرض على المواجهات العنيفة سواء مع النظام، أو مع القوى المناهضة لها.

وبعد انهيار نظام بن علي في الرابع عشر من شهر يناير-جانفي 2011، ساهمت المجموعات اليسارية والسلفية المتطرفة مساهمة كبيرة في انتشار ثقافة العنف، وفي التحريض عليها في الخفاء والعلن. وتستغل هذه المجموعات الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي تنفجر بين وقت وآخر، لكي تجعل من ثقافة العنف سلاحها الوحيد غير عابئة بالمخاطر الجسيمة التي يمكن أن تفضي إلى كوارث قاتلة ومدمرة على جميع المستويات. 

ما هو مفزع هو أن ثقافة العنف هذه تسربت إلى المجتمع لتشهد انتشارا مخيفا خلال السنوات الماضية. وهذا ما تثبته كثرة جرائم القتل، والاغتصاب، وغيرها من الجرائم الشنيعة.    لذلك فإن المطلوب والمرغوب اليوم من الأحزاب والقوى الوطنية، ومن النخب التونسية التي تحرص على أن تظل تونس في مأمن من الصراعات والنزاعات الخطيرة ،وعلى أن يحافظ شعبها على وحدته الوطنية لضمان نجاح المشروع الديمقراطي ،أن تتصدى إلى ثقافة العنف، والمحرضين عليها بحزم وقوة. من دون ذلك سيكون مصير البلاد والعباد قاتما ومرعبا .  

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في