تعرف واشنطن أكثر من غيرها انه لا استقرار ولا أمن ولا سلام في الشرق الأوسط بوجود واستمرار نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران واستخدامه لثروات ومقدرات العراق وإيران في دعم التنظيمات الإرهابية السنية والشيعية في المنطقة والعالم.
فأمريكا هي من جاءت بهذا النظام لقطع الطريق أمام وصول حزب توده الشيوعي الى السلطة آنذاك ولنشر الأيديولوجية الدينية لمواجهة انتشار وتمدد الشيوعية في إيران والمنطقة، تماما مثلما أنشأت "حزب الدعوة الإسلامي" في العراق من خلال الطلب من شاه إيران، تقديم نصيحة لرجال الدين في النجف لأنشاء حركة دينية تواجه الشيوعية.
ويبدو ان واشنطن ما زالت لديها مصالح في بقاء واستمرار نظام ولاية الفقيه في إيران، ليس بسبب استمرار التخادم بينهما، فهذا لم تعد أمريكا تحتاجه لكن أمن إسرائيل واستقرارها مرتبط باستمرار النظام الديني الطائفي في إيران التي بسبب سياستها الإرهابية ودعمها للحركات الإرهابية أفقدت فسلطين والفلسطينيين الدعم والتعاطف الدولي، وأظهرت إسرائيل على انها تواجه جماعات إرهابية وبالتالي فإن العالم لن يتسامح ابدا مع الحركات الإرهابية وسيبرر بل يدعم أي حرب لإسرائيل على تلك التنظيمات، لاسيما وان واشنطن تعلم علم اليقين ان طهران لا تشكل أي تهديد على إسرائيل بل تعطيها كل الذرائع والتعاطف والدعم الدولي المطلوبين لتصفية القضية الفلسطينية وتضييع آخر فرصة في حصول الفلسطينيين على حقوقهم .
وتعاطي واشنطن مع التنظيمات الدينية المتطرفة معروفة لا سيما خلال ثمانينات القرن المنصرم وتمويلها وتسليحها لـ (جماعة الإخوان المسلمين) والتنظيمات الجهادية الأخرى، والتي دفعنا ثمنها من دماء وثروات شعوبنا فضلا عن ضياع نحو أربعة عقود من أعمارنا كان يمكن استثمارها في التعليم والبناء بدلا من الانشغال في حروب داخلية لمواجهة الإرهاب الذي أنتشر وأستفحل في مجتمعاتنا وكان يمكن ان يسيطر عليها لو لا حكمة وحنكة قيادة شابة في السعودية متمثلة بسمو الأمير محمد بن سلمان الذي حقق معجزة في القضاء على الإرهاب ونقل بلاده نقلة لم نتصور في أفضل أحلامنا ان تحدث ولو بعد مائة عام.
الإرهاب السني تم كسر ظهره بفضل الأمير محمد بن سلمان وقطعت أهم رؤوسه ولم يتبقى منه إلا بعض أشخاص هاربين ليس لهم مكان آمن يأويهم سوى بطون الجبال في أقاصي الدينا، وحتى هذه لم تحميهم من مطاردة (العدالة الدولية)!
لكن هذه (العدالة) تكيل بمكيالين، فهي تطارد الإرهاب السني ومنظماته وتعلن عليها حرب بلا هوادة، لكنها تسكت أو تغض الطرف عن إرهاب ولاية الفقيه الإيرانية والميليشيات التابعة لها المنتشرة ليست في العراق ولبنان وسوريا واليمن فحسب ولا حتى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقط بل حتى في اوروبا وبعض مناطق أمريكا الجنوبية ومن غير المستبعد ان تكون هناك خلايا نائمة لها في الولايات المتحدة ذاتها.
لا يمكن القضاء على الإرهاب إلا بالتعلم من الطريقة التي نفذها الأمير محمد بن سلمان وهي تجفيف منابعه الفكرية والمالية قبل شن حملات عسكرية على القطعان المغيبة فكريا التي يتم دفعها للأعمال العسكرية وتنفيذ العمليات الإرهابية، أما ضرب معسكرات الإرهابيين ومحاربة وملاحقة العناصر المغرر بها فقط، فثبت انها غير ناجعة من دون تصفية منابع الإرهاب الفكرية والمادية.
وحاليا أكبر هذه المنابع هي إيران التي تمول جميع أو على أقل تقدير جل الجماعات الإرهابية، ولا يمكن القضاء على الإرهاب من دون القضاء على ولاية الفقيه وتحرير الشعب الإيراني واربع دول عربية (العراق، سوريا، لبنان، اليمن) منها، فوجود واستمرار النظام الديني الطائفي المتطرف في إيران سيكون حافزا لإنتاج وتفريخ حركات المتطرفة أخرى وستبقى هذه الدوامة مستمرة طالما أستمر وجود النظام في ايران، وسيكون حافزا أيضا للإرهابيين ممن يكفرونها ويختلفون مع المذهب الذي تتبعه، لأنهم يريدون ان يحذو حذوها في تطبيق أفكارهم المتطرفة وبالتالي قد نصل يوما ما الى عودة إنتشار الإرهاب في المنطقة والعالم أكثر من قبل لاسيما في ظل ازدواجية المعايير المتبعة من قبل واشنطن والغرب في مواجهة وتعريف الإرهاب .
وهذا يؤكده الماضي القريب فقبل وصول الخميني الى الحكم وسيطرة ولاية الفقيه على إيران لم يكن هناك تطرف ولا إرهاب على أساس ديني ولم تكن هناك عمليات إنتحارية في المنطقة حتى بدأتها الجماعات الدينية التابعة للخميني عام 1981 في لبنان ومنها تعلمت المنظمات الإرهابية التي خرجت من رحم (الإخوان المسلمين) مثل القاعدة وطالبان وصولا الى داعش العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة وأساليب الإرهاب الأخرى ولا نعلم ماذا سنواجه اذا استمر النظام الإيراني مع مهادنة غربية مقصودة!