: آخر تحديث

جاك لانغ ومعركة تدريس العربية في فرنسا

69
65
60
مواضيع ذات صلة

قديمة ومتصلة هي المعركة التي يخوضها رئيس معهد العالم العربي الوزير السابق، السيد جاك لانغ لتدريس اللغة العربية في المدارس الوطنية الفرنسية. ونظرا لكوننا لا نرى شيئا يلوح في الأفق ليعد بالنصر أو ينذر بالخسارة فإن المعركة لا تخلو من مسحة دونكيشوتية مثيرة للإعجاب والاحترام في الوقت نفسه. هذا ما نتبينه في حوار مكثف أجرته معه أخيرا جريدة ليبيراسيون كرر فيه مبررات بسطها في كتاب جريء صدر له بداية العام الحالي فقرأته وقررت ترجمته خلال الحجر الصحي الأول وينتظر صدور نسخته العربية قريبا فيما آمل. فالإطار العام للقضية هو ضرورة الوعي بأهمية التعدد اللغوي معرفيا وفكريا وتربويا خاصة في عالم الغد الذي سيكون فيه اللسان الناطق بغير لغة ذخيرة فعالة لدى أي شاب أو شابه يبحث عن العمل خارج إطار مجتمعه المحلي و دولته القومية. فمع كل ما يقال عن هيمنة اللغة الإنجليزية، وبعها بضع لغات أخرى، إلا أن لغات آسيوية كبرى ستظل حية قوية بين أهلها ونافعه في أسواق العمل في كل أنحاء العالم ومنها العربية تحديدا. وإلى هذا البعد الكوني نجد الرئيس المثقف يلح على عدم الفصل بين تعليم العربية في فرنسا والفرنسية في العالم العربي لأن الأمر يتعلق بمعركة واحدة في العمق كما يقول ويكرر. فاللغتان عريقتنا غنيتان جذابتان، لكنهما يعانيان تراجعات مستمرة متزايدة أمام لغات أخرى في مقدمتها الإنجليزية التي توشك أن تكون لغة الشباب عندنا وعندهم وفي كل بلدان العالم. من هنا فإن تعليم العربية في المدرسة الوطنية الفرنسية، وبدءا من المراحل الأولى كما يقول، هو فرصة يجب أن تتاح لكل تلميذ يريد ذلك، ولأي سبب.

هذا فوق أنه حق أساسي للطالبات والطلاب من أصول عربية مهاجرة أو مهجرة غالبا ما تبحث عن هويتها في لغتها وانطلاقا منها. وبالمثل فإن تعليم الفرنسية في معاهدنا وجامعاتنا هو مكون استراتيجي في السياسة الفرانكفونية التي أعقبت السياسة الاستعمارية، ولا بد أن يعزز العلاقات الثقافية والاقتصادية التي ربطت ما بين عديد البلدان العربية وفرنسا منذ قرنين إلى اليوم، كما هي حال دول شمال إفريقيا وبلاد الشام ومصر. الإطار الثالث للقضية هو الأصغر أو الأضيق دون شك، لكنه قد يكون الأكبر أهمية والأكثر مردودية. فالرئيس ممن يرى أن تعليم العربية في المدرسة الوطنية، ضمن مناهج حديثة متطورة، وتحت أنظار معلمين وإداريين أكفاء، هو الطريق الوحيد لإسهام المؤسسة التربوية الفرنسية في مقاومة نزعات التطرف وما قد تولده أو تبرره من جرائم الإرهاب التي تعانيها فرنسا ويعانيها معها وقبلها آخرون كثر في بلداننا ومجتمعاتنا. هذا تحديدا ما تجهله أو تتجاهله قوى اليمين المتطرف ومعها أطياف واسعة من أتباع الإيديولوجيات الوطنية التي تؤمن بهوية فرنسية صافية من كل أثر خارجي، وخاصة الأثر العربي الذي أصبح يهددها وينذر بانتحار حضارة جميلة على يدي أبنائها كما يذهب إليه إريك زمور، الخصم العنيد لجاك لانغ. وفي كل حال نختم بملاحظتين تسمحان لنا باستشراف أفق أكثر واقعية ووضوحا. الأولى أن الرئيس والدبلوماسي المحنك يعرف جيدا أن نهاية المعركة لن تكون قريبة أو مضمونة وعليه فلا بديل الآن أفضل من دعم مركز اللغة العربية بمعهد العالم العربي، خاصة ونحن جميعا نسعى لإنشاء مبنى كبير مستقل أمام المعهد سيسمى بيت اللغة العربية، وقد اسميه بيت معجب الزهراني وجاك لانغ لطول ما حلمنا به وسعينا إلى تحقيقه. ولعلها دعوة مخلصة لمحبي لغة الشعر والفكر والعلم والقرآن، لغة الحضارة العربية الإسلامية، لتفهم المشروع ودعمه بكل الوسائل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي