: آخر تحديث

ضحايا الفقر والعنصرية والكورونا

88
71
62
مواضيع ذات صلة

تضج عادة مواقع التواصل الاجتماعي بصور من الحياة اليومية، التي يعيشها فقراء العالم هذه الأيام، في ظل أزمات العالم الحالية والمتلاحقة.

 يستعرض النشطاء والمظلومين أنماطها وصورها المختلفة يوميا، دون مواربة أو خجل، ربما من أجل التذكرة دائما بحقوق المظلومين والمهمشين، وفقر الفقراء، وفساد الحكومات، وغطرسة الأغنياء.

في أسبوع واحد ظهرت ثلاثة فيديوهات مختلفة، لثلاث ضحايا من المهمشين الفقراء، في 3 دول مختلفة من أكثر دول العالم كثافة ثكانية،  وهي أمريكا ومصر والهند، ففي أمريكا دولة الحريات والديمقراطيات المثقلة بالاتهامات العنصرية في عهد ترامب المعروف بتصريحاته العدائية العنصرية تجاه الأجانب، خرج منها فيديو أثار سخط العالم من عنصرية الرجل الأبيض التي ما فتئت تضرب أركان الولايات الأمريكية المختلفة، فكلما خمد لهيب حادثة ما ضد السود، اشتعلت ولاية أخرى بحادثة مماثلة تثير الغضب والاشمئزاز من هكذا عنصرية بغيضة ضد المواطنين الأمريكان السود.

كان المشهد في الفيديو الذي انتشر انتشار النار في الهشيم، مؤلما للغاية فقد ظهر فيه ضابط البوليس الأبيض القاتل وقد أحكم سيطرته على المواطن الأسود" جورج فلويد "  وألقاه على وجهه على الأرض،  واحكم قيد يديه، ثم جثم بركبته فوق عنقه، وراح يضغط عليها، فيما راح الرجل يتوسل إلى الضابط أن يسمح له بالتنفس، قائلا له عدة مرات أنا لااستطيع التنفس، لكن ضابط الشرطة الجاهل العنصري تجاهل ما قاله، وتجاهل مناشدة المارة، واستمر بكل غطرسة وتجرد من إي إنسانية في الضغط على عنق "جورج فلويد" في وقاحة منقطعة النظير حتى فارق الحياة، وتم نقله إلى المستشفي جثة هامدة!

لقداعادت هذه الحادثة مرة أخرى قضية العنصرية في أمريكا الي واجهة الأحداث، وذكرتنا بواقعة مشابهة قريبة، تعامل فيها أفراد من الشرطة بعنف مع مواطنين سود، أبرزهم إيريك جارنر، الذي مات في ظروف مشابهة في مدينة نيويورك عام 2014.

ليس من مهام الشرطة قتل مواطن تحت السيطرة، أو قتله في السجن بالتعذيب كما يحدث في البلدان ذات الأنظمة القمعية، فأخطر أنواع القتلة هم من يتسترون خلف مناصبهم في الأجهزة الأمنية والحكومية، لكن هذه المرة شاءت تكنولوجيا الاتصالات المصورة في أيدي الناس،  أن تسجل وتبث الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت واحدة من أبرز أسلحة الأبرياء ضد منتهكي حقوق الإنسان في العالم.

بعد تصوير الحادث ونشره تم توقيف الضباط الأربعة المشاركين في الجريمة، وبدأت الأجهزة المعنية الشروع في إجراء تحقيق شفاف حول الحادث، رغم ذلك اندلعت مظاهرات في عدة مدن أمريكية تطالب بوقف قتل المواطنين السود على يد رجال الشرطة، ومن ثم تحولت عبارة لااستطيع التنفس التي كررها المواطن الأمريكي لضابط الشرطة الهمجي أثناء خنقه إلى شعار يرفعه السود والضحايا والمظلومين المتضامنين معهم الآن في أمريكا والعالم للمطالبة بالعدالة ورفع الظلم عن الفقراء   والسود في الولايات المتحدة.

في مصر لايستطيع الناس أيضا التنفس الآن،  فقد اختنقوا من الفساد والإهمال، وفي ظل حصاد الكورنا المستمر لأرواح الناس يوميا، امتلأت مواقع التواصل بمقاطع مصورة لأناس يحملون مرضاهم أمام أبواب المستشفيات، وسط صراخ وبكاء ومناشدة المسئولين في الحكومة المصرية التدخل للسماح لبعض الحالات المتدهورة و المصابة بالفيروس الدخول إلى المستشفيات.
 
إن أكثر المشاهد التي عكست سوء الإدارة والفساد الإداري في المستشفيات الحكومية، ذلك الفيديو الذي ظهر فيه مجموعة من الناس وهم يدفعون جثة سيدة متوفاة بفيروس الكرونا، على أحد أسرة مستشفى مركز فاقوس في محافظة الشرقية، للهروب إلى باب المستشفى الخارجي، من أجل دفنها بعد أن تعذر عليهم استلامها في ظل التخبط وسوء الإدارة وعدم التنظيم.
قد يبدو أن هذا أمرا غير قانوني، لكن مع انتشار الفساد وعدم الدعم الحكومي للمستشفيات في ظل أزمة الكرونا، لم يستطع الناس إيجاد حلا آخر لإخراج الجثة، كما لم يجدوا أي حل لإدخال الحالات المصابة إلى المستشفيات لتلقي العلاج الفوري، لهذا السبب ربما خرج الناس بالجثمان غير عابئين بمعايير الصحة والسلامة، ومن ثم أيضا نققل الجثة على سيارة نصف نقل، أو بمعنى أدق تهريبها لدفنها  فيما يبدو أن ذلك منافيا للكرامة الإنسانية وكرامة الميت.

إنها مأساة فالكورنا مستمرة في حصد أرواح المصريين والاطقم الطبية، وسط الإهمال والنقص الحاد في الخدمات الطبية، وعدم وجود خطة حكومية لمواجهة الجائحة، وفي ظل قيادة وزيرة للصحة غيرمؤهلة لهذا المنصب أصلا .
 الأمر المخيب للأمال هو عدم التعامل مع المواطنين على قدم المساواة مع المشاهير من الفنانين وأصحاب الحظوة الاجتماعية،  وأكبر دليل على ذلك هو الفنانة رجاء الجداوي، التي تم نقلها على الفور بعد إصابتها بالفيروس إلى مستشفي العزل في الاسماعلية في جناح به حجرتين، في أحدهما جهاز للتنفس الصناعي، في وقت مات فيه أطباء لم يتحصلوا على هذه الميزة، رغم أنهم كانوا يقفون في الخط الأمامي لمواجهة الفيروس.

الفيديو الثالث جاء من الهند، وكان لفقر من نوع مختلف، فقر  اليأس والخوف من الجوع، وهو الذي دفع فتاة هندية صغيرة لم تتجاوز 18 عاما، في ظل أزمة الحظر على السفر بسبب الكورونا،  إلى حمل والدها العاجز عن المشي خلفها على درا جة هوائية والسير به 10 أيام متوالية من العاصمة نيودلهي إلى ولاية بيهار، وكل زادهم اليومي من الغذاء والماء، فقط الذي يقدمه لهما الغرباء على الطريق.

الرجل الهندي الفقير الذي كان يكسب عيشه من قيادة توكتوك، رغم حالته الصحية المتردية، وعدم قدرته على المشي، فقد مصدر رزقه المتواضع، بتوقف حركة السير بسبب الكورنا، وأصبح غير قادر على الكسب، وتفاقمت عليه الديون، ولم يعد قادر على الإيفاء بسداد إيجار المسكن، فقررت ابنته ذات الخمسة عشر عاما نقله على دراجتها الهوائية والعودة به إلى ولاياتهم.
تقول الشابة الصغيرة جيوتي كوماري لم يكن لدي خيار آخر.. ما كنا سنبقى على قيد الحياة لو لم أركب الدراجة إلى وأعود إلى قريتي.

كيف إذن لفتاة صغيرة تقطع حوالي 1200 كيلومتر في 10 أيام متواصلة، وتحمل خلفها والدها العاجز؟ إنه حب الحياة والهروب من الموت جوعا وفقدان الأمل في المساعدة الحكومية، إنها بطولة فريدة تعري الظلم، ومدى ما يعانيه المهمشون في العالم. 

للأسف لن يتغير حال الفقراء والمظلومين في العالم بالاستجداء، والاستعطاف، والمناشدة، فهم مواطنون لهم حقوق كحقوق الأغنياء وأصحاب الجاه والسلطان، ولا بد لهم من انتزاع حقوقهم، فالظلم والكراهية والعنصرية في العالم لم تعد تحتمل، وإن لم يتم التنبه لها مبكرا من قيادات العالم، فربما  تكون ثورة الفقراء هي التسونامي التالى لجائحة الكرونا!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي