: آخر تحديث

بماذا رد سيد قطب على الغزالي في اتهامه له بالماسونية؟

3
3
4

من هم الماسونيون الذين انضموا إلى جماعة الإخوان المسلمين وصاروا من زعمائها الجدد، والذين لم يذكر محمد الغزالي أسماءهم في كتابه من «معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث»، حين ذكر اسمي الهضيبي وسيد قطب؟

هم منير الدلّة وحسن العشماوي وصالح أبو رقيق وعبد القادر عودة ومحمد عطية خميس وآخرون من «الإخوان المسلمين» المناصرين لاستخلاف الهضيبي في منصب المرشد العام.

وهؤلاء هم من وصفهم مرتين بـ«الأقزام» من دون أن يسميهم! المرة الأولى كانت في كتابه «من معالم الحق» الصادر في عام 1954. قالها في هذه السطور بمقال من مقالات هذا الكتاب: «ولقد جاء حسن الهضيبي – وهو أحدث الناس عهداً بدعوة (الإخوان المسلمين) – فأراد أن يكون أقدم الناس فيها بإخراج غيره. وجاء قزماً بين عمالقة، فشاء أن يكون عملاقاً بين أقزام».

«العمالقة» الذين جاءهم الهضيبي «قزماً»، هم: صالح عشماوي ومحمد الغزالي والبهي الخولي وسيد سابق وأحمد عبد العزيز جلال وعبد الرحمن السندي قائد «النظام الخاص»، ومساعدوه من أركان القيادة في هذا «التنظيم السري».

أما الأقزام الذين شاء الهضيبي أن يكون بينهم «عملاقاً»، فلقد تقدم ذكر أسمائهم.

هاتان صورتان خیالیتان استمدهما محمد الغزالي من «مكتبة الطفل»، تحديداً من قصتي «جلفر في جزيرة العمالقة» و«جلفر في جزيرة الأقزام» وليستا صورتين حقيقيتين تعبران عن الشخصيات المتحمسة لاستخلاف الهضيبي ولا الشخصيات المعارضة لاستخلافه.

المرة الثانية لوصفهم بـ«الأقزام» جاءت في كتابه «من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث» الصادر في عام 1963، لكن هذه المرة جاء هذا الوصف مصحوباً باتهامهم بالماسونية. قال في هذه المرة: «فلم يشعر أحد بفراغ في الميدان من الرجالات المقتدرة في الصف الأول من جماعة الإخوان المسلمين إلا يوم قتل حسن البنا في الأربعين من عمره، لقد بدا (الأقزام) على حقيقتهم بعد أن ولّى الرجل الذي طالما سد عجزهم. وكان في الصفوف التالية من يصلحون بلا ريب لقيادة الجماعة اليتيمة، ولكن المتحاقدين الضعاف من أعضاء مكتب الإرشاد حلّوا الأزمة، أو حُلّت بأسمائهم الأزمة بأن استقدمت الجماعة رجلاً غريباً عنها ليتولى قيادتها، وأكاد أوقن بأن من وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية أرادت تدويخ النشاط الإسلامي الوليد فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة...».

الذين كانوا «في الصفوف التالية من يصلحون بلا ريب لقيادة الجماعة اليتيمة»، يقصد بهم صالح عشماوي ونفسه وبقية المعارضين لاستخلاف الهضيبي.

إن وصف الغزالي للمتحمسين لاستخلاف الهضيبي بـ «الأقزام»، وتكرار وصفهم «بالقزمية» مع اتهامهم بالماسونية تالياً سببه هو تصديهم للغزالي ومن معه في إحباط مساعيهم الحثيثة لتنحية الهضيبي من منصب المرشد العام وتولية صالح عشماوي في هذا المنصب.

إن الأمر ليس كما صوّره الغزالي بأنه ثغرات مفتوحة في كيان الجماعة نفذت من خلالها الماسونية، بل هو صراع داخلي كبير في كيانها، انطوى على صراع عنيف بين قياداتها وانقسام حاد بین جموعها، قبل أن يأتي منير الدلّة بالهضيبي وتعمق واتسع بعد مجيئه. ليس للماسونية فيه «أصابع»، سواء أكانت خناصر أو بناصر.

يروي سيد عيد يوسف - المسؤول عن أفراد النظام الخاص في منطقة شبرا الخيمة - ساعة الانقلاب على الهضيبي ومحاصرته في بيته لإجباره على تقديم استقالته بأنه «حدث أثناء انتظارنا قرب منزل المرشد، أن التقينا بالأستاذ سيد قطب الذي كان غاضباً يردد: يا فرحة الصهيونية والصليبية العالمية!!».

هذا الرجل أورد هذه الرواية ليشرح سبب انتقاله فجأةً من معسكر الانقلاب المسلح على هذا الهضيبي داخل منزله وخارجه إلى معسكر التهدئة الذي بذل جهداً في فك احتجازه ورفع الحصار عن منزله.

ولا أستبعد أن يقول سيد قطب بهذا الهذيان المؤامراتي. إن اتهام الغزالي للهضيبي بالماسونية ساقه من دون إثبات أو دليل. كذلك كان اتهامه لسيد قطب بالماسونية ساقه من دون إثبات أو دليل. ومن الواضح أنه كان يجهل ما أثبتته دراسات متأخرة بأن سيد قطب انتسب لفترة قصيرة لأحد المحافل الماسونية، وهو «المحفل الأكبر الوطني المصري»، وكتب في مجلته مجلة «التاج المصري» افتتاحياتها عام 1943. فلو كان الغزالي يعلم بمقالاته في هذه المجلة لأشار إليها.

ما موقف سید قطب من اتهام الغزالي له بالماسونية؟ بعد عفو جمال عبد الناصر عن سيد قطب وإخراجه من السجن عام 1964، استجابةً لطلب عبد السلام عارف، التقى سيد قطب بقيادات تنظيمه السري، ومما نقله علي عشماوي عما قاله لهم في هذا اللقاء، قوله: «أن الأستاذ البنا كان يعلم أن الجماعة مستهدفة من الخارج من القوى المعادية للإسلام، وأنهم أدخلوا إلى الجماعة بعض أعضائهم، أو جنّدوا من داخل الجماعة أفراداً يعملون لصالحهم. على سبيل المثال ذكر أن الدكتور محمد خميس حميدة كان ماسونياً بدرجة عالية من الماسونية، وقد وصل إلى أن أصبح وكيل عام الجماعة، وأن الحاج حلمي المنياوي كان ممثلاً للمخابرات الإنجليزية داخل الجماعة».

وقال لهم أيضاً: «أن الأستاذ البنا كان يعلم هذه الأمور ولكنه لم يجهر بها لباقي الإخوة، فقد كان يتصرف بحكمة، وكان يخفي عن هؤلاء الناس الأسرار التي يريد أن يمنعها، وكان يبلغهم بالأمور التي يرى أن عليهم أن ينقلوها من دون أن يحسوا أنه قد كشف عنهم».

سيد قطب عوضاً عن أن يدفع عن نفسه تهمة الماسونية ألصق هذه التهمة بمحمد خميس حميدة! وسلّم بادعاء الغزالي بأن جماعة الإخوان المسلمين مخترقة من قبل الحركة الماسونية، وزاد على هذا الاختراق اختراقاً آخر، وهو اختراق المخابرات الإنجليزية، التي كان يمثلها في الجماعة الحاج حلمي المنياوي!

فهو اختلف مع الغزالي في أنه أضاف اختراق المخابرات الإنجليزية إلى الاختراق الماسوني، وفي أنه أرجع زمن الاختراق إلى عهد المرشد الأول البنا لا إلى عهد المرشد الثاني الهضيبي.

محمد خميس حميدة من قدامى «الإخوان المسلمين»، وهو صيدلي. وقد عينه الهضيبي نائباً له، أي نائب المرشد وليس وكيل عام الجماعة. فمن عينه الهضيبي وكيل عام الجماعة هو عبد القادر عودة. وحميدة من المتورطين بوضع خطة اغتيال جمال عبد الناصر الفاشلة، وكان من ضمن المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة يوم 5 ديسمبر (كانون الأول) 1954.

اتهام سيد قطب له بالماسونية ليس إلا تصفية حساب معه، لأنه قد قدّم اعترافات مفصلة عن محاولة الاغتيال تلك في محكمة الشعب.

محمد خميس حميدة له بنت أكاديمية اسمها «نجد»، وهي ذات خؤولة ألمانية، وهي أرملة رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد.

أما اتهامه للحاج محمد حلمي المنياوي بأنه ممثل الاستخبارات الإنجليزية في جماعة الإخوان المسلمين، فلم يدرِ أنه اتهام يضرّه أكثر مما ينفعه. وللحديث بقية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد