سارة النومس
في ذاكرة كل إنسان عربي، اللحظة التي يدخل بها الموجه الفني مع رئيس القسم للفصل الدراسي، عندما تكون المُعلّمة في كامل أناقتها وتتبدل شرارة الغضب في وجهها إلى بشاشة لم يرها الطلبة من قبل. تتعمد المعلمة في هذه الحصة الدراسية، اختيار أكفأ الطالبات أو الطلاب، لكي تبدو كمعلمة ناجحة لا يخطئ عندها أحد. وتأتي اللحظة المرعبة عندما يقوم الموجه الفني، بطرح الأسئلة على الفصل.
تتطور علامات التزيين عندما يكون الزائر مدير المنطقة، فتكثر الزهور في ممرات المدرسة وتتزين الجدران بالألوان وجمل النصح، ويصبح الهدف حينها من التربية والتعليم، هو إرضاء مدير المنطقة بدلاً من تطوير المستوى التعليمي للطلبة.
أما إذا كان الزائر وزيراً، فتصبح معاناة المعلم أكبر، فعليه أن يقوم، زيادة على التدريس، أن يشارك في الاهتمام بالزينة حيث يدفع أحياناً من جيبه الخاص، والأولى بجيبه، هم أطفاله واحتياجاتهم المعيشية ومتطلبات مدارسهم أيضاً.
مفهوم المجاملات الوظيفية، بدأ في صفوف المراحل الدراسية ونما في عقولنا حتى كبرنا وانتشرنا في قطاعات الدولة، فأي يوم يكون ثمة زائر مهم، لابد من الترتيب المُبالغ لاستقباله... وتأتي وفود من الخارج فيكون الاهتمام أكبر بأن نعطيها انطباعاً بأننا هكذا نعمل في الأيام العادية.
أحياناً، وجود تلك الوفود هو لرؤية الخلل (للمساعدة على إصلاحه) وليس للاتهام والمساءلة، فلماذا نخاف من إظهار حقيقتنا؟
فليرَ المتنفذ أننا نعمل في مكاتب عادية وبيئة عادية صحية، فالغرض هو إتمام العمل لا تزيينه، وإذا كان التزيين مهماً، فلتتزين المؤسسات والقطاعات الحكومية كل يوم وليس في اليوم الذي يزورهم فيه الوزير!
ما الذي نحاول إثباته للوزير وهو موظف حكومي مثلنا، وفي يوم من الأيام كان يعمل بيننا، فمن المؤكد أنه يعلم تماماً كيف تدار الأمور، ويعرف أن الحبكة الفنية المليئة بالمجاملات «موقتة»، وأقيمت بسبب حضوره فقط.
لماذا لا تصرف بيئات العمل على مرافقها لجعلها أكثر راحة للموظفين لا للزوار؟ لماذا لا يكون مزاج المعلمة رائعاً مع الطلبة بدلاً من تبدله في زيارة مديرة المدرسة؟ لماذا لا يوجه الزوار المهمون تعليمات بعدم تكليف الموظفين فوق طاقتهم لزيارتهم الخاطفة؟ أعتقد أن مفهوم المجاملات في بيئات العمل يجب أن يتغيّر خصوصاً عندما تمس جيب الموظفين لزيارة مدتها ساعات بسيطة، وأحياناً دقائق.
إنّ الهدف الرئيسي للتعليم هو الطالب، والهدف الأساس من العمل هو راحة الموظف لكي يساهم في إنجاز العمل، أن يكون هدف بيئات العمل، رضا المدير، أو الوزير أو الضيف المهم، هو هدف سطحي ينم عن بيئة تسعى لتغطية الخلل والعيوب بالألوان والزهور وصنع ابتسامة زائفة في وجه الموظف.
بيئة العمل الناجحة هي التي يديرها شخص ناضج بما فيه الكفاية كي يصل لرضا وسلامة الموظف أولاً، فعند الوصول لهذا الهدف ستصبح بيئة العمل صحية وناجحة كل يوم، وليس فقط عندما يزورهم وزير.