: آخر تحديث

التنوع والوحدة

3
4
3

يتعدى الاحتفاء بأي وطن موحد والتغني بمقدمات وعوامل تماسكه المسألة المناسباتية، خاصة في هذه الأوقات العصيبة التي تفقد فيها بلدان أسساً انبنى عليها استقرارها وتوحدها الجغرافي والتاريخي والإنساني لعقود، وتكاد تتشظى بضربات داخلية وخارجية تستغل لحظات الضعف أو التحول.في مثل هذه المنعطفات التي تواجه فيها «الدولة الوطنية» أخطاراً من كل صوب، تصبح إعادة ضبط العقل والضمير الجمعيين في كل وطن فرضاً في مواجهة فتن تُطلّ برأسها من أكثر من بلد عربي مغذاة بمظالم لبعض المجموعات، وممولة بتحريض من يرسمون خرائط جديدة لا يمكن توهم أنها تريد تطبيق عدالة ولا الانتصار لفريق، فهدفها الأول تمزيق الروابط التي دامت طويلاً بين مكونات الأوطان، والنفخ في أطماع البعض، وتوزيع الوعود، بينما جحيم الانقسام ينتظر الجميع في نهاية المطاف.تكفي مقدمات فرض هذه الخرائط الجهنمية في أكثر من بلد عربي منذ عقدين على الأقل، للاتّعاظ من أي انفلات من إطار الدولة الوطنية الموحدة، رغم كل ما يقال عن ظلم ساد وتغليب لتيار على آخر، أو سحق مجموعة من أهلها لأي سبب، أو احتكار طائفة لخيراتها، بينما الأغلبية تواجه الحرمان. رغم كل هذه الأخطاء والجرائم التي دامت طويلاً في أكثر من قُطر عربي، فإن تدخل قوى بعينها زاعمة أنها تستهدف التصويب أو إقرار العدل والديمقراطية، انتهى إلى ما رأيناه من اقتتال داخلي، وصناعة زعامات وهمية، وتسمين أوهام شخصية، والضغط على مواطن الجرح في بعض الطوائف وتذكيرها الدائم بصور معاناتها، والإلحاح على فكرة الثأر.كل ذلك اختلط تحت راية النعيم المتوهم، وسالت الدماء في معارك عبثية، بينما الخرائط الجديدة تباعد بين المكونات التي عاشت طويلاً وانصهرت في دولة واحدة ولو كان فيها الظلم عدلاً يساوي بين معظمها.كان الإصلاح بمعناه الحقيقي ممكناً في غير بلد قبل أن تجتاحه رياح التغيير، لولا المكابرة والاحتماء بالقوة والتعامي عن الآتي بعد أن بانت مقدماته. ولو كان إصلاح حقيقي بدأ، لكان عاصماً من غضب داخلي أذكاه متربص خارجي، ومدعاة لتمسك مكونات كل بلد بخريطته الموحدة والتعاون في ترميم مناطق الظلم فيها.ليس التنوع في أي وطن هو المعضلة، بل إنه من أسس الثراء الحضاري، والتحدي الأكبر في إدارته واستثماره بوصفة سهلة مجربة، وهي العدل بين الجميع، بما يعني ذلك من قطع الصلة بتهميش مجموعة وطنية أو أكثر، وإتاحة فرص العيش الكريم الحر للجميع، وإحاطة كل ذلك بقانون واضح يحدد الحقوق والواجبات، ويحاسب المخالفين بمعيار واحد.هذه الوصفة هي حائط صد في وجه الخرائط البديلة، بل إن كل فرد يصبح معها أكثر التصاقاً بالمجموع، مؤمناً بأن خلاصة الشخصي في الاتحاد بنظرائه في مساحة جغرافية محددة ترفع راية واحدة لا يمكن أن تتمزق أو تتعدد بغواية من هنا، أو هناك.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد