: آخر تحديث

استراحة مع علم الفراسة بحر من العلوم

3
3
3

حسن اليمني

تقابل شخصاً ما لغرض ما فيتخلق في ذهنك بشكل لا إرادي تخيل سريع مستوحى من الصورة الظاهرة لهذا الشخص، سمات الوجه والحركة والنطق ونظر العين، مع ماهية هذا الشخص سواء كان ذكراً أو أنثى، وزيراً أو تاجراً، قريباً أو بعيداً، كبيراً أو صغيراً، وكل هذا التكوين يتم خلال ثوانٍ معدودة، ويتوسع هذا التكوين ويتمدد خلال اللقاء بشكل خفي في داخلك، حتى إذا ما انتهى اللقاء وافترق، بدأت تعيد التدبير والترتيب في تركيب الصورة للوصول لأقرب نقطة في الفهم لاستيعاب ماهية هذا الشخص والبحث عن فرص التوافق والتأمين.

في كتابه «الفراسة» أو قيافة البشر، يشرح الفيلسوف المفكر العربي محمد بن عمر الرازي (544 - 606 هـ) أن الفراسة موهبة فطرية للإنسان، تزيد وتنقص معه أو فيه بحسب يقينه وفطنته، ثم يتبعها بالمزاج بين أربعة أنواع هي: يابس ورطب وحار وبارد، ويشتق منه رطب حار ويابس بارد وحار بارد وبارد رطب وهكذا، بحسب نسب الزيادة من هذا على ذاك، وكأنها نفس عملية تقسيم التفكير الأيدلوجي بين يمين ووسط ويسار، ومعلوم أن اليمين ينقسم أيضاً إلى يمين اليمين ووسط اليمين ويسار اليمين وهكذا مع الوسط واليسار، ونقرأ في الصحف ونسمع في الأخبار مصطلحات اليمين المتطرف أو اليسار المعتدل وهكذا.

علم الفراسة علم يتيح لك معرفة أخلاق الناس وطبائعهم وكأنهم كتاب مفتوح أمام عينيك تقرأه بذهنك، وبطبيعة الحال تبقى الفراسة هبة من الله سبحانه وتعالى الذي علّم الإنسان ما لم يعلم، والعلم بالاطلاع والقراءة والتجربة التي تغذي العقل وتوسع مداركه مثلما يصح البدن بالغذاء والماء والحركة، والفراسة تتيح لك أقرب استنتاج للصواب حين تختلط عليك الأمور، أو قل يساعد على ترشيد العقل في التفكير والحواس في الاستشعار ويزيد من فطنة المرء ووعيه في سبر غور الآخر ورسم التوقعات المحتملة وترجيح الظن والاعتقاد، وهو على كل حال علم مثل العلوم الاجتماعية والنفسية الأخرى.

يقول الرازي - رحمه الله - إن مزاج الإنسان هو طبيعته وإن التكوين البدني هو الصانع لمزاج الإنسان أو طبيعته، لذلك درس الفراسة من وجهين هما الخُلق والأخلاق، بمعنى أن هذين ركيزتان لمعرفة الآخر أو على الأقل رسم صورة انطباعية في الذهن للوصول لهذه المعرفة الابتدائية، ولا شك أن نسبة النجاح هنا تعتمد على نسب الوعي والفهم والإدراك، وقد وجدت في شرحه لجسم الإنسان لرسم الصورة الخلقية الظاهرة معينة على فهم الصورة الخلقية الباطنة أو الخفية للإنسان، أو لنقل قراءة المظهر لمعرفة المخبر بما يدعم ويقوي فهم الآخر بشرح مفيد - بحسب معطيات القرن الخامس الهجري أو النصف الثاني للدولة العباسية – نعم مفيد وفيه من الطرفة ما يبين مزاج الرازي نفسه - رحمه الله - مع سبقه لعصره.

الطرافة في الجدية وجدتها في آخر الكتاب حين خصصه لقراءة وصفية لجسم الإنسان، بدأها من الرأس حتى ظفر إصبع القدم، ولطول سرد التفاصيل، فقد اخترت بعضاً منه كقليل يغني عن كثير، لكن يعطي تصوراً يساعد على فهم علم الفراسة أو على الأقل يستفز التفكير بشيء من اللطافة خارج الدراسة العلمية والبحثية والمقارنات، بمعنى أن الاستدلال بالأحوال الظاهرة في الجسد معينة على معرفة الأحوال الباطنة للإنسان، ونبدأ بالرأس فيقول هنا:

كبير الرأس ضعيف الرقبة صغير الصدر والصلب يدل على أن عظم الرأس ليس لقوة القوة المصورة بل لكثرة مواد فضلته.

صغير الرأس قوي الصدر والصلب والرقبة شجاع قليل التأمل حار القلب صحيح الجسد.

صغير الرأس والصدر والصلب والرقبة فهذا ضعيف في كل الأمور.

من كان مقطباً لجبهته مائلاً إلى البسط فهو غضوب.

من كانت جبهته صغيرة فهو جاهل.

من كانت جبهته عظيمة فهو كسول وغضوب.

من كانت جبهته كثيرة العضوية فهو صلف.

من كانت جبهته منبسطة لا غضون فيها فهو مشاغب.

الحاجب كثير الشعر يكون صاحبه كثير الهم والحزن.

إذا كان حاجبه يميل من ناحية الأنف إلى أسفل ومن ناحية الصدغ إلى فوق فانه صَلِف أبله.

من عظمت عينه فهو كسلان، وهذه الدلالة مأخوذة من مشابهة أعين الثيران.

من كانت عيناه جاحظتين فهو جاهل مهذار، وهذه الدلالة مأخوذة من مشابهة الحمار (راح فيها الجاحظ).

من كانت عيناه غائرتين فهو خبيث، وهذه الدلالة مأخوذة من القرد.

من كانت عيناه غائرتين قليلاً فنفسه نبيلة وهذه الدلالة مأخوذة من الأسد.

إذا كان الجفن في العين منكسراً أو ملتوياً فصاحبه مكار كذاب أحمق.

من كانت عيناه تتحركان بسرعة وكان حاد النظر فهو مكّار محتال لص.

من كانت عينه تشبه عين العنز في لونها فهو جاهل.

من كان نظره مشابهاً لنظر النسوان فهو شبق.

إذا كانت العين صغيرة زرقاء فصاحبها قليل الحياء.

من كان طرف الأنف منه دقيق فهو محب للخصومة.

من كان أنفه متقوساً فنفسه نبيلة.

من كان غليظ الشفّة فهو أحمق غليظ الطبع.

من كان ضعيف الأسنان رقيقها ومتفرقة فهو ضعيف البنية.

من كان نحيف الوجه فهو مهتم بالأمور.

من كان شديد استدارة الوجه فهو جاهل ونفسه حقيرة مستدل عليه من وجه القرد.

من كان وجهه عظيماً فهو كسلان مستدل عليه من الثيران والحمير.

من كان وجهه صغيراً فهو رديء خبيث.

رقبة قوية غليظة تدل على قوة الدماغ والعكس بالعكس.

من كان عنقه دقيقاً فنفسه ضعيفة.

من كان كثير الضحك فهو دمث قليل العناية بالأمور.

من كان قليل الضحك فهو مُعاد مخالف.

اللحم الكثير الصلب يدل على غلظة الحس والفهم.

من كان جنباه ممتلئين كأنهما منتفخان فكلامة كثير غث وهذا الدليل مأخوذ من الثيران والضفادع.

لطافة البدن تدل على جودة العقل وعظم البطن يدل على كثرة النكاح.

عرض الظهر يدل على الشدّة والكِبَر.

شخوص رأس الكتف يدل على الحمق.

الكف الدقيقة جداً تدل على السلاطة والرعونة.

من كان إليته لحيمة سمينة فنفسه ضعيفة.

من كان اللحم على إليته قليلاً كأنما مسح عليها مسحاً فأخلاقه رديئة.

القدم اللحيم الصلب يدل على سوء الفهم.

من كانت أصابع رجليه منعقفة وكذلك أظافره فهو وقح.

ولعل من هذا كفاية لنقل جزئية من كتاب «الفراسة» تعطي ملمح أهمية فكرته ومحتواه والذي يتشارك مع علم الطب والتشريح وكذلك الشعوذة وقراءة الكف وغيرها إضافة لعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة، وإن اخترت منه بعض ما قد يجذب للقراءة بتفصيل وتمثيل طريف، إلا أن علم الفراسة والقراءة العقلية للظاهر المرئي وربطه بالحركة واللفظ لرسم الصورة التخيلية في الذهن تساعد على الرؤية والإدراك في العلاقات والتواصل الاجتماعي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد