: آخر تحديث

التطهير العرقي

5
5
5

سأفترض حسن النية لدى أغلبية معارضي «حماس»، ولست حتماً ولم أكن يوماً من مؤيديها، كما يحب أن يشيع بعض الكذبة المعقدين، إن بسبب عدد القتلى الرهيب من الأطفال والأبرياء، بخلاف ما حل بالقطاع من دمار شامل، ليس في المباني والطرقات والخدمات فقط، بل ولما حل بالأرواح والأجساد والآمال من خراب عظيم. لكن هناك فئة باغية، وغالباً متعاونة، ومستفيدة مما يحدث، في الجانبين، تدفع الأمور إلى أن تتجه نحو ما تريدة إسرائيل، تماماً، إما جهلاً أو غالباً لمصلحة مادية، وهذا ما سنبينه في مقال مقبل.

لا يوجد عاقل، عايش وقرأ وعرف عن قرب طريقة التفكّر الصهيوني، يرى أن من مصلحة الشعب الفلسطيني «الاستسلام التام»، وغير المشروط لعدوهم التاريخي، لما عرف عنه من دهاء، وقناعة تامة بأن بقاء فلسطيني واحد يعني استمرار حقه في أرضه. فكل مظاهر العنف والوحشية، التي تمارسها القيادة الصهيونية، والقتل والتجويع والتشريد الممنهج، ما هو إلا شيء من تاريخهم، رافق الحركة الصهيونية منذ ما قبل قيام دولتهم، وما نتج عنها من نكبة، فمنذ بداية الصراع في هذه البقعة من العالم، وعلى وجه الخصوص منذ دخول الحركة الصهيونية على خطّ اقتطاع وطن قومي يهودي في المنطقة، والمحتل يفكر في التطهير العرقي، فهو السبيل الوحيد لأن لا ينازعه أحد على الأرض مستقبلاً، ليتفرغ لقضم غيرها!

يقول سلمان مصالحة، في مقال نشر على «شفاف»، إن هناك الكثير من الأمثلة، التي تبيّن نوايا إسرائيل في التخلّص من كل ما يحمل صفة أو اسم «فلسطين». ففي وثيقة سرية تحمل العنوان «نقل سكّان عرب»، في الأيام الأولى على قيام إسرائيل، نقرأ ما يلي: «نقترح نقل القبائل العربية في أماكن مختلفة بمناطق الحكم العسكري بالمرج والجليل الشرقي، بهدف إفراغ المناطق التي بحوزتهم والقريبة من مواقع استيطان يهودية وطرق رئيسية». وتذكر الوثيقة بالتفصيل قوائم السكّان المزمع نقلهم، وعدد النفوس في كلّ قرية وقبيلة، وتتطرق إلى سكّان صفورية ووجوب نقلهم فوراً، لأنهم آخذون بالتوالد العالي! ومثال آخر على التهجير، الذي حصل في قرية الغابسية. ففي شهر نوفمبر 1951، أصدر الحاكم العسكري في الجليل أمراً بطرد سكّانها. كذلك رفض الجيش الإسرائيلي توصيات وزير الأقليات «بيخور شطريت» في إبقاء 11 عائلة عربية في المنطقة اليهودية في يافا، وطلب نقلهم إلى منطقة مُسيّجة، لأن بقاءهم في يافا يعد مخالفة لـ«قوانين الأمن»، ويُثقل على الجيش مهامه.

لم تكن السلطات العسكرية وحدها هي التي طلبت نقل العرب من أماكنهم. إذ إنّ طلب الترانسفير لبقايا السكان العرب، الذين بقوا في القدس الغربية، قد جاء هذه المرّة من مصدر مدني، أي مدير الخدمات الاجتماعية في وزارة الرفاه والضمان الاجتماعي.

على ضوء ذلك، فإنّ الخطاب، الذي يعلو هذه الأيام عن التطهير العرقي والترانسفير، ليس جديداً بالمرّة، إذ إنّه يرافق الحركة الصهيونية منذ ما قبل نشوئها، على أرض فلسطين.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد