ازدهرت سوق الطب البديل، وانتعشت أسواق العطارين، وزادت أرباح شركات صناعة المكملات الغذائية، وصعب أن تجد موعداً من خبراء التغذية، والسبب لا تتحمله «السوشيال ميديا» وحدها بل يتحمله جيل من الأطباء لم يعد لديه وقت للاستماع والتحاور مع المريض.
ملايين المقاطع المصوَّرة والرسائل المكتوبة تنصح بترك الأدوية واستبدال كثير من الخيارات الأخرى المتاحة بها، حيث تزدحم ذاكرة الهاتف عند كل من تجاوز الأربعين برسائل العلاج بكل شيء عدا الدواء: علاج بالأعشاب، علاج بالغذاء، علاج بالزيوت، علاج بالبذور، علاج بالصيام، علاج بالأكل، علاج بالنوم، علاج بالصحو مبكراً، علاج بالتنفس... علاج بكل شيء عدا الدواء.
علاج صيني، علاج هندي، علاج نبوي، علاج أفريقي... كلها علاجات تعود إلى الطبيعة ما قبل وجود الأدوية وشركات الأدوية التي تعيش على تسويق منتجاتها لا على علاج مرضاها.
انتشرت أخبار كثيرة حول فساد شركات الأدوية ورشاها التي تقدمها من أجل تسويق منتجاتها. لا أحد يجزم أو ينفي هذه الأخبار، إنما الناس تعبوا ممَّا تسمى الأمراض «المزمنة»، أي التي لا علاج لها ولا حل سوى تناول مزيد ومزيد من الأدوية، حتى باتت حاويات الأدوية البلاستيكية التي تضعها في جيبك أو شنطتك من أدوات الزينة بأشكالها المتعددة والملونة والموزعة على أيام الأسبوع من لوازمك الضرورية، ولا يخلو أحد من حملها.
روَّجت وسائل التواصل الاجتماعي للبدائل ولاقت ترحيباً من الذين ملُّوا أو تضرروا من الآثار الجانبية للأدوية، وانسقنا جميعاً إلى تلك البدائل العلاجية والنصائح، وأصبح هناك مشاهير للمعالجين بكل ما هو بديل.
مواد غذائية اعتدنا عليها لسنوات تم الاستغناء عنها وشطبها نهائياً من مشترياتنا. مواد غذائية جديدة دخلت إلى قائمة الطعام لم نكن نعرفها أو بالكاد نسمع عنها. بذور أُضيفت، وأعشاب غُليت، وزيوت دُهنت، من أجل التقليل من كمية الأدوية التي نتناولها قدر المستطاع، والتي أصبحت السبب في أمراض جديدة اكتسبناها ولم نكن نعاني منها لأن ما نتناوله له أضرار جانبية ظهرت لطول استخدام الأدوية.
طبعاً هذا الكلام لن يقبل به الأطباء ويرفضونه لأنه مخالف لكل ما تعلَّموه، وكنت أتمنى أن يكون لدى أطبائنا الأريحية لدمج الاثنين معاً، والقبول بما لم يعتادوه.
كنت أتمنى أن يُمضي الطبيب وقتاً مع المريض لسؤاله أسئلة تفصيلية عن نمط حياته وما يأكل وما يشرب، فقد تكون الحلول متاحة دونما حاجة إلى أدوية، بدلاً من النظر إلى نتائج التحاليل وكتابة الوصفة والانتقال إلى المريض الذي بعده.
وماذا لو يستمع الأطباء إلى تجارب ناجحة لمرضى استغنوا فعلاً عن الأدوية في بعض الأمراض لمجرد تغييرهم نمط حياتهم ومراقبتهم ما يأكلون وما يشربون؟
كنت أتمنى أن تكون تلك التجارب الناجحة أسهم أطباؤنا في نجاحها لأنهم بذلوا جهداً إضافياً واستمعوا إلى مرضاهم، ولم يسارعوا بكتابة وصفات الأدوية، واكتفوا بتقديم تلك النصائح بدلاً من استقائها من غيرهم.
لسنا ضد الطب والأدوية، وفي كثير من الحالات لا بد مما لا بد منه، ولكن شاهدنا وسمعنا بل جرَّبنا أن كثيراً من الأعراض المرضية لم تكن تحتاج إلا إلى العودة إلى الطبيعة التي حولنا لتُعالَج وتختفي، واللجوء إلى الأرض ومنتجاتها الزراعية سواء كانت جافة (الأعشاب والبذور والأوراق) أو معالَجة (الزيوت وخلافه) أو طازجة مما حبانا الله بها ومتاحة للجميع.
والأهم أن هناك قناعة بان الجسم في كثير من الحالات قادر على أن يعالج نفسه بنفسه. عليك بالصبر والهدوء، فإن الكثير من زوار المستشفيات هم من الذين عند أول عارض جروا إلى الدكتور ليلحقهم.