خالد بن حمد المالك
منذ احتلال صدام حسين للكويت غاب الحضور العراقي من الحراك العربي، ولم تعد بغداد مصدراً للإلهام العربي في معالجة قضاياه، وإيجاد مخارج لأزماته الساخنة المتفاقمة، فبين ما كان مستثنى من عقد اجتماعات القمم العربية وما دون القمم إلى خلو مقعده من التمثيل العراقي في اجتماعات القمم العربية لدى الدول العربية الأخرى.
* *
سقط صدام، ولم يعد يحكم العراق، لكن آثاره بقيت لبعض الوقت تلقي بظلالها في حجب اسم العراق من الاجتماعات العربية، وخاصة خلال الفترة التي كان ممثل الولايات المتحدة الأمريكية (برايمر) هو من يدير العراق، ويسيطر على القرار في البوابة الشرقية لدول المنطقة، معتمداً على أن الجيش الأمريكي هو من تولى إزاحة الرئيس العراقي صدام حسين من الحكم، وحكم العراق قبل أن يسلمه للعراقيين ولينفذوا في صدام حكم الإعدام.
* *
الصورة الآن تغيرت، وهناك أحداث استجدت، فقد سلم الحاكم الأمريكي السلطة للعراقيين بعد أن نظم لهم آلية حكم البلاد، ووضع للعراق دستوراً ينص على أن رئيس الدولة يكون من الأكراد بصلاحيات محدودة، ورئيس مجلس النواب من السنة، وجعل رئاسة الوزراء بيد الشيعة، ورئيس الوزراء هو من يملك الصلاحيات في إدارة البلاد، والحا كم الفعلي للعراق.
* *
في هذه المرحلة التي تلت حكم أمريكا للعراق، بدأ العراق يعود تدريجياً إلى لعب دوره ضمن منظومة الدول العربية، بعد أن تخلص من آثار حكم صدام حسين، ومثله انتهاء سيطرة أمريكا على العراق، باستضافتها للقمة العربية التي ستعقد في السابع عشر من هذا الشهر، دون وجود أي قلق أو تخوف من تعكير الاجتماع بممارسات تمس الأمن خلال وجود القادة العرب في بغداد.
* *
لكن أجواء هذا الاجتماع، وملفاته، وما هو مطلوب منه، تختلف عن أي اجتماعات سابقة للقادة العرب، فالتحديات كثيرة وكبيرة، ونجاح القمة العربية مرهون بأخذ قرارات تصب في التصدي لكل الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية، وذلك بالحكمة، والمعالجة الصحيحة، واستثمار الوقت والمكان في إرسال رسائل إلى العالم لتصحيح ما أفسده الصمت العربي في مواجهة هذه الأزمات الخطيرة والمدمرة.
* *
لقد أفرزت أحداث السابع من أكتوبر، وتداعياتها المؤلمة، والتفوق الإسرائيلي المدعوم من أمريكا والغرب ليس في حربه في قطاع غزة، والضفة الغربية، وإنما في التغير الكبير في موازين القوى بين إسرائيل والدول المجاورة، واتساع سيطرة إسرائيل أرضاً وجواً وبحراً عليها، دون مقاومة أو رد.
* *
ملفات كثيرة، معقدة، ويلف الغموض التصرف والتعامل معها، وتلك هي ما سوف تكون أمام أنظار القادة العرب في قمتهم، مع كثير من الحذر والحسابات لردود الفعل الإسرائيلية والدولية، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية على أي قرار يصدر عن القمة العربية، دون أن تسقط مسؤولية القادة العرب بأنهم أمام مرحلة تاريخية مفصلية شديدة الخطورة، ولكنها لا تعفيهم من مواجهة هذا الموقف بما يستحق مع تعقيداته الكثيرة.
* *
فإسرائيل الآن تحتل قطاع غزة، وثم فهي تمنع وصول الغذاء والدواء، وتحاصر كل المنافذ لتحقيق هذا الهدف، وتواصل احتلالها للمساحات المتبقية من القطاع دون مقاومة تذكر، ومثل ذلك الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، أي أن إسرائيل الآن غيرها قبل السابع من أكتوبر، تعبث بالمسجد الأقصى، وتقتل المواطنين الفلسطينيين، وتضيق الخناق عليهم، وتعمل على تهجيرهم واحتلال أراضيهم ومنازلهم ومزارعهم.
* *
لقد أضافت انتصارات العدو الإسرائيلي احتلال تل أبيب لأراض في لبنان، وسيطرة جيشها على أجواء لبنان، والاعتداء المتكرر عليها، وفي سوريا لم يكتف العدو باحتلال أراض جديدة، وإنما استخدم كل قوته في ضرب القواعد العسكرية، ومخازن السلاح، والمطارات، وعناصر الأمن، دون وجود أي رد فعل سوري، بل إنه مؤخراً انتشر بالجنوب السوري بحجة الدفاع عن السوريين الدروز، وأقدم على توجيه نيرانه إلى القصر الجمهوري الذي يقيم به الرئيس السوري الشرع.
* *
أمام كل هذا، -وهناك غيره- ماذا ستفعل القمة العربية في بغداد، لوقف هذا العدوان الإسرائيلي المتكرر، والاحتلال غير الشرعي، وانتهاك القوانين الدولية، هذا هو السؤال، أما الإجابة فهي ما ننتظرها في بيان اجتماعات قمة بغداد.