نجيب يماني
سرّني، حدّ إرضاء الغرور، ما تفضلت به الكاتبة البريعة، ذات القلم السيّال، والفكر الوقّاد، د.وفاء الرشيد من «هجمة مرتدة» تحت عنوان (زوجٌ بدون «بَوْز».. هل هذا ما نريد؟)، الذي نشرته الأسبوع الفارط، في زاويتها المقروءة، بصحيفة «عكاظ»، ردًّا على مقالي الساخر الذي نشرته الأسبوع قبل الماضي تحت عنوان «زوجة منزوعة النكد». ولقد وجدت في مقال الكاتبة الفضلى طرافة ومتعة، تبدت لي من بين ثنايا «غيظ» مكتوم، ودافع «غريزي» بالنصرة لبنات جنسها، بالبحث عن مناقص -وما أكثرها- لترمي بها الرجل، في مقابل ما بسطته من منقصة «النكد» طي مقالي.
وأبرع ما جاء في مقال الرشيد أنها جعلت من حالة «التبويز» عند الرجل ملخصًا لجملة من المناقص في ثنايا مطالبها بـ«زوج لا يغضب، لا يتهرّب من الحديث، لا يختبئ خلف شاشة هاتفه، لا يتحجج بـ«تعبان» كل ليلة، ولا يُلقي الصمتَ الثقيل كلما سألت زوجته سؤالًا بسيطًا مثل «وين كنت؟» حتى لو كان بـ(الاستراحة)...».. وزادت عليها كيل بعير بالقول: «زوج بلا (بوز) يعني زوجًا لا ينفجر إذا تأخرت القهوة خمس دقائق، ولا يعتبر الطبخ مسؤولية (المدبرة المنزلية التي لم تولد بعد)، زوجًا لا يُمارس صمتًا عقابيًّا يستمر ثلاثة أيام لأنه لم يُعجبه الملح في السلطة، أو كيّ الثوب أو مرزام الشماغ، زوجًا لا يسخر من دموع شريكة حياته ويشخر وهي تبكي... زوجًا يفهم أن الحنان لا يقل رجولة، وأن الاحتواء ليس عيبًا..»..
وأبشّر الأخت الفضلى «الرشيد»، باتفاقي الكامل معها في كل ما ذهبت إليه، بل إني أرى أنها اقتصدت اقتصادًا مخلًّا في سرد قائمة المناقص الرجالية، فلو أنّ مساحة الزاوية لديها تراحبت قليلًا، لا شك عندي أنها كانت ستأتي بالعجب العجاب، من شاكلة تلك المرأة التي هجت زوجها البخيل، «زائغ العين»، بقولها:
«إنّ لي زوجًا بخيلًا
ليسَ يُرضيهِ القليلْ
دونَ أنْ يبتاعَ شيئًا
يطلبُ الأكلَ الجليلْ
ويرى البيتَ جحيمًا
وبنيه شرَّ جيلْ
لو رأى يومًا سِواي
صاحَ بالشِّدو الجميلْ
ولهذا قد خلعته
إنه شر خليل»
ومثلها تلك كرهت زوجها في ليلة زفافها، فهربت لاجئة إلى أهلها طالبة الطلاق، مخلّدة ذلك في بيت سيّار بقولها:
وأنقذنِي بياضُ الصُّبحِ منه
لقد أُنقذتُ من شرٍّ وبيل
وغير ذلك كثير مما استشهد به السالفون والمتأخرون في مثل هذه المنافحات المصادمة، و«الصراع» الأزلي.. التي حاول اليابانيون إصدار حكم الفوز فيها للرجل، بمثلهم «الغياظ»، ومفاده: «إن طول لسان المرأة ثلاث بوصات.. لكنه يستطيع أن يقتل رجلًا طوله ست أقدام»!
غير أني آخذ على «الرشيد» أنها أخذتني بجريرة «الصينيين» ولم توجّه إليهم إصبع اللوم، وبنان التقريع فيما قصروا فيه، فقد كان حريًّا بهم، وبمثل ما استجابوا لنوازع الرجال، وتفضلوا بصنع «زوجات» حسب الطلب والمبتغي، أن يتكرموا بفائض ذكائهم الاصطناعي، ويلبّوا طلبات النساء، بإنشاء «سوق موازٍ» يعرضون فيه أصنافًا من الأزواج وفق المزاج، لتتجلى براعة الصنع؛ ما تجلّت براعة النساء في الطلب، وأبدعن في الأرب..
فلا والله ما أنصف الصينيون المرأة وهم يتغاضون عن هذا تغاضيًا يوقعهم في الحرج، ويدمغهم بجريرة «الذكورية»، والانحياز الفاضح لها، فما ضرّهم لو جاوزوا بين الطلبين، وقدموا العرضين، واتحفوا الجنسين بلطائف من «منزوعات النكد»، وبدائع من «عديمي البوز»، لنضمن «عيشًا معقمًا» من كل المناقص، ومستوفيًا لكل متطلبات «البلهنية» في الحياة، و«الرفهنية» في العيش الرغد..
غير أنّ ذلك لن يحقق لنا ولهن الغاية من السعادة، بمثل ما اتفقتْ معي «وفاء» من أن هذه المعابثات التقنية، التي لا طائل منها، لن تقيم حياة، ولن تصنع عيشًا طبيعيًا، مصداق قولها: «فليخترع الذكاء الاصطناعي ما يشاء من نساء ورجال حسب الطلب، ولكننا -نحن البشر- سنظل نشتاق لنكهة الحياة الحقيقية: تلك التي لا تُبرمج، بل تُعاش»..
نعم.. نعم صدقتِ يا «وفاء» وهذا عين ما أشرت إليه في مقالي بالقول: «.. غير أنّي متيقنٌ كلَّ اليقين إن مثل هذا العيش الرغد، والطاعة (الاصطناعية) العمياء، المحققة لكل الرغبات دون ممانعة أو تأبّي، ستبعث على المِلال، وسنحنّ إلى (النكد) بآدميتنا العاشقة لـ(مفارقة الجِنان)، فما يستطيب لنا وصل إلا إن كابدنا الهجر ولظاه، ولا نهنأ بحبيب إن لم يمارس علينا كل أنواع الدلال والتمنّع وإخفاء المرغوب، وستر المطلوب، وفي ذلك نرغب، وبذلك نفرح»..
فيا أيتها النساء قُمْنَ إلى نكدكن، ويا أيها الرجال أطيلوا من «أبوازكم»، فما عيش دون «نكد» متلاف، ولا حياة دون «بوز» يعاف!