عبده خال
كتبت ذات يوم مقالة عن إهمالنا للطفل تحت عنوان «طفل خارج التربية»، بادئاً القول بأننا نغادر قضايانا الملحة بالسرعة القصوى؛ إذ نثيرها إعلاميّاً ثم ننساها؛ لكي تذكرنا بها واقعة آنية، فنعود إليها مكررين نفس القول ونفس الشكوى.. ومن القضايا المهملة والمتروكة تربية الطفل، والتربية لم تعد مقصورة على البيت فحسب، بل غدت تربية البيت أو المدرسة أو المسجد أجزاء لا تحدث تأثيراً عميقاً في نفسية الطفل، وقد تراجع تأثيرها كثيراً مقابل ما يبث عبر الألعاب، أو عبر وسائل التقنية الحديثة، فالطفل الآن يتغذى ثقافيّاً من خلال ألعابه أو مسلسلاته أو جواله أضعاف مضاعفة مما يعطى من قبل أدوات التربية الكلاسيكية.
وقد أثيرت سابقاً الحروب الكلامية من قبل بعض المشايخ على شخصيات كرتونية مثل ميكي ماوس و«سبونج بوب»، كانت حروباً لفظية بسطت المشكلة تبسيطاً مخلاً للواقع المعاش والخشية العاجزة غير القادرة على مجاراة ما يبث للطفل، وكذلك العجز المهول بعدم القدرة على إيجاد البدائل.. وهذا ما يجعل أي منتقد للوضع كمن يريد إيقاف المياه الجارية لمصبها. ونحن على مستوى النقد الكلامي (أشطر من الشاطر حسن)..
فمنذ زمن ونحن نلوم برامج الأطفال وألعاب الأطفال وقصص الأطفال، متذمرين من مضامينها، ومؤكدين أنها قادمة من الغرب أو من الشرق المنحلين البعيدين عن تعاليم الإسلام.. وكأننا نريد العالم كله خدماً لنا حتى في نشر قيمنا ومبادئنا!
وهي الشكوى الدائمة حيال أي منتج معرفي أو تقني قادم من الدول المنتجة، هذه الشكوى واللوم ظلا نوعاً من التباكي العاجز، ولم يرد أي من المتباكين بعث ومناقشة فكرة إنتاج احتياجات الأطفال المسلمين، فجزء من قصور إنتاج الأفلام أو الألعاب للأطفال المسلمين هو تحريم الفنون من قبل البعض، الذين ظلوا على رأيهم في محاربة تلك الفنون حتى مع التغيرات الجذرية في وسائل التربية والتواصل الإنساني والمؤثرات والوسائل المستخدمة في إرسال الأفكار..
هذا التحريم أبقى صناعة أفلام الأطفال وألعابهم لا تنتج في العالم الإسلامي، بل يتم استيرادها من قبل الدول الصناعية المعنية بتلبية احتياجات الأطفال الترفيهية، وأي منتج بالضرورة ينتمى إلى ثقافة مصنعيه، وحين يأتي الآخر المستهلك (من أي موقع في العالم) عليه التعامل مع اللعبة أو الفيلم وفق عقلية وثقافة المنتج وليس وفق ثقافته، فإن كان يرى فساد تلك الألعاب أو الأفلام فلينتج ما يروق لطفلنا، والآن ومع ثورة إنتاج الأفلام علينا إعادة أهمية الاعتناء بالطفل وصناعة الأفلام والبرامج لأطفالنا.. والعودة للقضية، علينا تبسيط الفكرة، أن المنتج العالمي يخدم أفكاره ومعتقداته، وهذه هي الفكرة ببساطة، فلماذا نثور حين تنتج لعبة تستهدف قيمنا أو رموزنا، بينما نحن لم نوجد البديل، ولم نسعَ إلى خلق صناعة أفلام الكرتون التي تؤثر في الطفل تأثيراً كبيراً..
نعم هي تؤثر، ودائماً الثقافة الأقوى (بما تنتج) تبث أفكارها عبر منتجاتها، فجزء من القوة سيطرة ثقافتك على الآخر، هذه هي الفكرة ببساطة ومع ذلك لا يزال البعض يدير حرباً كلامية حول أفلام الكرتون أو ألعاب الأطفال أو قصصهم، ولم يظهر أي منهم وفي أي برنامج يطالب بإنتاج أفلام كرتون تحمل ثقافتنا لأطفالنا، بل على العكس إن ظهر أحدهم سارع بالقول: حرام.. حرام..
فلماذا التباكي ونحن لا نقدم شيئاً أكثر من الاستهلاك؟ القضية الأخطر مواصلة الاستهلاك في ظل التحريم؛ لأن في هذا جانبا تربويا عكسيا يثبت ما يتم استهلاكه لا ما يسمعه.
عفواً، انتهت تلك الفترة الزمنية المغلقة، وما دامت الأجواء مفتوحةً، وتشجيع السينما حاضراً، يستوجب الالتفات لما ينتج للطفل سينمائياً وألعاباً.