: آخر تحديث

الغرور الدفاعي

5
5
4

سهوب بغدادي

فيما يُعرف الغرور بشعور الشخص المبالغ فيه بالتفوق والأهمية والتميز، ظنًا منه أنه أفضل من الآخرين، إذ يتضح الغرور في الأفعال والأقوال التي تُظهر الاستعلاء والتقليل من الغير، كذلك رفض الاعتراف بالخطأ حين حدوثه أو عدم تقبل النقد والنصيحة أو حتى رفض تلقي التعليمات من شخص آخر، إن هناك إطارات عديدة يتجلى فيها الغرور منها الإطار الاجتماعي بين الأصدقاء والزملاء في العمل والأقرباء والأقران، ومن أحد أبرز العواقب الوخيمة للغرور «العزلة» المؤدية إلى الوحدة، نظرًا لنفور الآخرين من الشخص المتعالي، فضلاً عن توقف النمو الشخصي، والذي ينتج عنه الصراع الداخلي المتأجج تباعًا، مع صعوبة تقبل عدم الكمال أو الفشل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفرق شاسع بين الغرور والثقة بالنفس، فيجب عدم الخلط بينهما، فالثقة بالنفس تكمن في إيمان الشخص بقدراته وخبراته ونفسه دون انتقاص من طرف آخر، بعكس الغرور الذي يستند إلى تعظيم الذات وانتقاص الآخرين، من هذا الموضع، ينبثق نوع آخر من الغرور يُدعى «الغرور الدفاعي» الذي ينتج عن تفوق واستحقاق فعلي!

كالطفل الذكي الذي كبر ونشأ على جملة «فلان ذكي» و»فلان شاطر» فإن ما يقصد بهذه الجملة ليس الذكاء الفعلي ومقياسه بشكل علمي إنما يستدل بها على سهولة الوصول إلى النتيجة، كطالب يحصل على أعلى الدرجات دون مجهود فيكبر ذلك الذكي لتتعدد أبعاده وتتشعب، فذلك الذكي مطالب بأن يكون أكثر من ذلك، طموحاً، شجاعاً، باراً، رياضياً، مبدعاً، من هنا، يخرج الطفل عن الهيكل ذي البعد الأحادي إلى ثلاثي أو خماسي أو ما لا نهائي الأبعاد والزوايا والإطارات، فلا يستطيع! ويُصاب بحالة من الهلع، نعم، فكيف بذلك الذكي أن يقع في الخطأ أو ألا يفهم ما يدور ويُقال؟

لذا فإن الشخص يختار الغرور الدفاعي كآلية دفاع نفسية بغية تجنّب الحرج أو الإخفاق ثم الانكشاف أمام الغير، وقبل ذلك والأهم من هذا كله انكشافه أمام نفسه، إنها حالة تؤدي إلى عدم اختلاط الشخص بمجموعة ما أو التواجد في أحد الأماكن باعتبار أن تلك الأماكن والأشخاص والأوضاع والأشياء دون المستوى المطلوب أو المتوقع منه التواجد ضمنه وفيه ومعه، بلا شك إن الغرور الدفاعي ناجم عن إحساس الشخص بضرورة السيطرة الدائمة الناتجة عن سلوكيات خاطئة خلال نشأة الطفل كالآمال والتوقعات الفائقة المعلقة على الطفل، أو النقد اللاذع للطفل والصدمات على اختلافها وتنوّعها، أو البيئة المحيطةلتي قد تعزَّز من تلك السلوكيات والظواهر السلبية وتثني على فاعلها بتمجيده وخلط الحابل بالنابل، قد تكون رحلة التخلي عن الغرور مليئة بالعثرات والصعوبات إلا أن الوعي بالمشكلة أول خطوات التغلب عليها، وملاحظة المواطن والأحوال التي يبرز فيها التصرف الدفاعي من مجرد الخوف من الشعور بالنقص أو العجز على سبيل المثال لا الحصر، كما يعتبر تقبل الضعف من خلال الاعتراف بأن الكمال محال، علاوة على الانفتاح على النقد البناء والملاحظات والنصائح والأهم تقبل طلب المساعدة.

«الشيء الوحيد الأكثر خطورة من الجهل هو الغطرسة»

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد