: آخر تحديث

كندا تتصدى لترامب

4
4
4

عماد الدين حسين

هل بدأت «الموجة الترامبية الهادرة» في التراجع والانكسار، انطلاقاً من الأراضي الكندية، أم أن ما حدث مجرد تراجع تكتيكي؟!. يوم الثلاثاء الماضي كان هناك تطور مهم، حيث تمكنت كندا من تحقيق انتصار مهم، يمكنه أن يشجع العديد من بلدان العالم على تحدى «الاندفاع الترامبي»، حينما فرضت ضرائب ورسوم على صادراتها من الكهرباء إلى الولايات المتحدة، ما أجبر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على بدء مراجعة موقفها من فرض رسوم جمركية على الواردات من كندا. وفي يوم الخميس الماضي، فرضت كندا حزمة رسوم جمركية مضادة، تستهدف 539 سلعة أمريكية جديدة، بقيمة 30 مليار دولار كندي، بعد أن استهدفت في المرة الأولى سلعاً أمريكية بقيمة 30 مليار دولار كندي.

نعلم أن الرئيس الأمريكي، وخلال حملته الانتخابية ثم بعد فوزه، كرر مطالبة كندا بأن تنضم إلى الولايات المتحدة، لتصبح الولاية رقم 51.

وجهة نظره أن الولايات المتحدة هي التي توفر المظلة الدفاعية لكندا، ما يجعل الأخيرة لا تنفق الكثير من الأموال لشراء الأسلحة للدفاع عن نفسها، وبالتالي، تحقق العديد من الفوائض المالية التي تذهب لرفاهية الكنديين، فيما تتحمل الموازنة الأمريكية الكثير من الأعباء في ميزانية الدفاع، ومن وجهة نظره، فإن ذلك ظالم لأمريكا، وبالتالي، طلب من كندا أن تنضم لأمريكا، أو ترفع ميزانية دفاعها وتتحمل الأعباء، حتى ينعدل الميزان التجاري بين البلدين، الذي يميل لمصلحة كندا. المفترض أن البلدين عضوان في اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية «النافتا»، التي تم تحديثها بانضمام المكسيك.

أحدث الإحصاءات المتوافرة، تشير إلى أن حجم التبادل التجاري بينهما عام 2022، بلغ 909 مليارات دولار، وتتفوق كندا بفائض تجاري يصل إلى 53 مليار دولار، هذا الفائض ارتفع عام 2023 إلى 108 مليارات دولار، وفى عام 2024 انخفض إلى 102 مليارات دولار، في حين أن الرئيس الأمريكي يقدره بـ 250 مليار دولار.

ترامب، ولكي ينفذ وعوده الانتخابية، فرض رسوماً جمركية على الواردات من كندا بنسب متفاوتة، وصلت إلى 25%، لكن الحكومة الكندية التي سخرت مراراً من طلبات ترامب بضم كندا لأمريكا، ردت بالمثل فوراً، وفرضت رسوماً مماثلة بنسبة 25% على العديد من السلع، خصوصاً الكهرباء التي ترسلها إلى ميسوتا وميتشغيان ونيويورك. ثم قام ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم الكندية إلى 50%، فقامت كندا بزيادة الرسوم على العديد من السلع الوسيطة، خصوصاً التي تدخل في صناعة السيارات الأمريكية.

ولأن الرد الكندي شديد، فقد أعلن ترامب الثلاثاء الماضي أنه سيتراجع على الأرجح عن قرار مضاعفة الرسوم الجمركية على الواردات الكندية من الصلب والألومنيوم، بعد ساعات من إعلانه، وبعدها أعلن رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو الكندية، دوغ فورد، أن المقاطعة ستعلق فرض الرسوم الإضافية بنسبة 25% على الكهرباء المرسلة إلى ثلاث ولايات أمريكية، بعد محادثات، قال إنها مثمرة مع وزير التجارة الأمريكي، هوارد لوتنيك، وأن الطرفين سوف يجتمعان لمناقشة تجديد اتفاقية التجارة الحرة لبلدان أمريكا الشمالية، قبل الموعد النهائي لفرض الرسوم الجمركية المتبادلة في الثاني من أبريل المقبل.

أحد أهم الدروس في هذه المعركة الاقتصادية بين البلدين، هو الموقف الرسمي الكندي، فرئيس الوزراء الكندي الجديد المصرفي، مارك كارني، الذي تولى منصبه منذ أيام قليلة، خلفاً لجاستن ترودو، أعلن في أول تصريح له، أن بلاده ستنتصر على الولايات المتحدة في هذه الحرب التجارية، وكان أول قرارات بلاده رفع أسعار الكهرباء.

في نفس يوم فرض كندا للرسوم على صادرات الكهرباء، طبقت الصين رسوماً جمركية انتقامية بنسبة 15% على العديد من السلع الزراعية الأمريكية، الأمر الذي تسبب في تراجعات حادة للأسهم الأمريكية، فمثلاً مؤشر ناسداك سجل أسوأ أداء له منذ ثلاث سنوات، وخسر 3.8% من قيمته، وهو الأمر الذي انتقل إلى البورصات الآسيوية، كما انخفض مؤشر «إس إند بي 500» بنسبة 2.7%، كما تراجعت قيمة شركة تسلا بنسبة 15%، ودفعت شركة إنفيديا مؤشراً مهماً لأسهم شركات الرقائق إلى أدنى مستوى منذ حوالى العام.

محللو «سيتى جروب» خفضوا تصنيف الأسهم الأمريكية إلى محايد، بدلاً من مرتفع، في حين رفعوا تصنيف الأسهم الصينية إلى مرتفع، وفى نفس الوقت رفع محللو «إتش إس بي سي» تصنيف الأسهم الأوروبية إلى مرتفع، بعد أن كانت منخفضة. وفي الإجمالي، خسرت أسواق الأسهم الأوروبية في الأيام الماضية نحو 4 تريليونات دولار، وخسر مؤشر السوق الأمريكي جميع مكاسبه المحققة منذ انتخاب ترامب في 5 نوفمبر الماضي، كما خفضت صناديق التحوط استثماراتها في الأسهم، وبأعمق وتيرة منذ عامين.

الأخطر أن المزاج العام في الأسواق العالمية يميل إلى الاتجاه السلبي، مع تزايد قلق المستثمرين من توقف نمو الاقتصاد الأمريكي، بسبب الحروب التجارية التي يشنها ترامب في كل اتجاه. على سبيل المثال، فإن جينا بولفين رئيسة مجموعة بولفين لإدارة الثروات، قالت الثلاثاء الماضي لـ «بلومبرغ»: «انتقلنا من حماس الأسواق إلى التساؤل عن احتمالات الركود». هذا الكلام هو أخطر ما يهدد ترامب وفلسفته القائمة على شعار «لنجعل أمريكا أقوى».

في ظني الشخصي أن أهم محركات ترامب هي «أسعار البورصة ومعدلات سعر الفائدة»، وليس الشرعية الدولية والقوانين والمعاهدات والاتفاقيات، وبالتالي، حينما تتراجع أسعار الأسهم الأمريكية بهذه الوتيرة، فإنها تمثل أخطر ضربة لسياسة وفلسفة ومنهج ومنطق ترامب، الذي يراهن على تحسين حياة المواطن الأمريكي العادي، حتى يضمن تأييده في تغيير وإعادة هيكلة الولايات المتحدة، وليس فقط اقتصادها.

إذا تمكنت العديد من الدول، خصوصاً في أوروبا والصين، من التصدي لسياسات ترامب، بنفس الطريقة التي تصرفت بها كندا، فإن الرئيس الأمريكي سوف يخسر الكثير من قوة دفعه واندفاعه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد