عبده خال
اشتركت مع الصديق العزيز محمد صادق دياب (رحمه الله) في فكرة إنشاء مقهى داخل سور نادي جدة الأدبي ليكون ملتقى لمثقفي جدة ومن يزورها، وقد واجه هذا الاقتراح ترسُّخ مفهوم المقهى في ذاكرة الناس بأنه مكان للالتقاء العامة والمدخنين، ومن «هبّ ودبّ»، ومع توضيح الفكرة بأن مفردة مقهى يمكن تغييرها بأي مسمى آخر، فقط أن يكون المكان مفتوحاً طوال الأيام من غير إلزام ادارة النادي بالمداومة ليلياً، ولكون الإدارة تقيم نشاطها مساء كل أحد، وبقية الليالي ليس لها أي نشاط ويخلو النادي من وجود أي أديب أو مثقف، بحيث يتحول المقهى إلى مكان التقاء المثقفين من ساكني جدة أو أي زائر لها من غير مواعيد أو دعوات، وكانت البيرقراطية، والتعنّت، والإمساك بمفهوم النخبة لا تجيز الارتهان لإقامة مقهى، وتم وأد الفكرة، وقتها لم يكن بالإمكان وجود مكان مفتوح طوال أيام الأسبوع، وأيضاً لم يكن مهماً إشاعة مكان يُوجد به المثقفون طوال الأسبوع، وتم الاكتفاء بما درجت عليه الأندية من إقامة نشاط ثقافي في ليلة واحدة من ليالي الأسبوع.
ومضت الأيام على ما اعتاد الناس حدوثه، وتنافرت المقاهي في جنبات جدة على هيئة شلل، وفي أماكن متباعدة، وليست معروفة للآخرين..
وحين أعلن معالي المستشار تركي آل الشيخ إقامة ديوانية القلم الذهبي لتكون ملتقى ثقافياً لجميع مثقفي مدينة الرياض وزوارها، كانت فرحة الإعلان بأن المكان سوف يكون (وسوف يكون، كانت تعني الانتظار الطويل، إلا أن وعود معالي المستشار تأتي سريعة حاملة كل إمكانيات النجاح) وهاهي الدوانية قد اكتسبت السمعة والانتشار، وغدت ملتقى يومياً لمثقفي البلد، خُصص يوم الأربعاء لجلسة تحمل عنواناً ثقافياً بضيوف لا تتكرر بها الأسماء، وما تبقى من أيام وليالي الأسبوع يكون مكاناً مفتوحاً للالتقاء الودّي بين المثقفين من غير دعوات أو مواضيع، مجرد التقاء، مع توافر أقسام متعددة معنية بتوفير الأجواء الثقافية المتنوعة، هذا المكان يشرف عليه الصديق ياسر مدخلي محتفياً بالمثقفين، وخلال فترة وجيزة غدت الديوانية مهبط المثقفين، وأثمرت اللقاءات عن تعاقدات بين الناشرين والكتّاب مشتركين في مشاريع ثقافية، الديوانية احتضنت الجميع ومكّنت الشباب المبتدئين في سلك طرق الكتابة الإبداعية من الالتقاء بمثقفي البلاد، المكان جمع وأسقط ورقة توت النخبة، ومكّن الجميع من التعارف وتبادل الخبرات، وتنشيط الجوانب الثقافية، وتشجيع التجارب الإبداعية من الالتحام والتناغم بين الأجيال.
ومن وهج الذكرى، تذكرت أن هذه الديوانية انبثقت من أفكار معالي المستشار تركي آل الشيخ في إعلان مهرجان جائزة القلم الذهبي، فبشّر الموجودين بإقامة مكان لتجمع المثقفين يومياً، كان إعلاناً فإذا بالإعلان يصبح حقيقية على أرض الواقع، وبين الإعلان والإنجاز شهران فقط، وكانت الديوانية حقيقة وجود بكل تفاصيلها، وكانت الرغبة من قبل الموجودين استنساخ فكرة الديوانية في بقية مدن المملكة، يومها وعد معاليه بأن تكون هناك ديوانيات مماثلة في المدن الكبري، ولأن معاليه يمتلك الإنجاز المبهر، فنحن ننتظر ديوانيات تجمع شتات مثقفينا في بقية المدن.. الآن هل أحتاج إلى إرسال تهنئة للصديق محمد صادق دياب (رحمه الله) بقرب تحقيق وجود مكان مشاع ومعدّ بكل الأسس المهمة لالتقاء مثقفي جدة وزوارها؟
وأنا على يقين، أن معاليه إذا وعد أنجز.