احتفل السوريون، وما زالوا، بسقوط نظام الأسد، واحتفلنا معهم لأنه كان طاغية مستبداً قتل الآلاف وتحالف مع الشياطين، لكن الحزن يسيطر علينا لما تفعله إسرائيل في سوريا وتحطيمها القدرات العسكرية المتبقية للدولة السورية وتوسعها على حساب الأراضي السورية. كما أن لدينا قلقاً من خطط تركية تستهدف الشمال السوري، لكن هناك من يستنكر حزننا ويستغرب قلقنا، ويطلب فقط الاحتفال بسقوط الأسد وعدم الالتفات إلى ما تفعله إسرائيل أو الحديث عما تخطط له تركيا. متخوفون نحن من أطماع دولية وإقليمية قد تفضي إلى تقسيم سوريا، لكن البعض من السوريين لا يشاركوننا الانزعاج بل يستنكرونه ويعتبرونه انتقاصاً من الثورة السورية. متخوفون نحن من "أشكال" وتاريخ زعماء سوريا الجدد وأصولهم الأخوانية وتحولاتهم التكفيرية. نعتقد أن أفعالهم لا تُبشر بالخير، وأن مستقبل سوريا معهم سيذهب بها إلى نفق مظلم، لكن البعض من السوريين لا يشاركوننا المخاوف بل يرون أن التعبير عن تلك المخاوف يمثل حنيناً إلى سنوات حكم الأسد. عموماً لا يتمنى المواطن العربي، غير المؤدلج، لسوريا سوى الأمن والسلامة والرفاهية، وأن تتجاوز مرحلة الأسد وتنطلق إلى آفاق التنمية وبناء دولة حديثة يتمتع فيها المواطن بحقوقه في العيش الآمن والسلام والحرية على أرضه دون أن تنتهك تحت غطاء تحقيق الأمن أو الدفاع عن النفس من الجيران. ورغم أن الولايات المتحدة، التي جرت التغيرات الأخيرة تحت رعايتها، أو قل إدارتها، عبرت عن رغبتها في تأسيس سوريا جديدة من دون تطرف أو متطرفين، وفقاً لتصريحات وزير خارجيتها بلينكن، لكن المخاوف تظل قائمة نظراً لتاريخ واشنطن في التعاطي مع المتطرفين، أو استخدامهم، طالما أنهم يتماهون مع سياساتها أو أهدافها. وما زلنا نتذكر كيف صنع الأميركيون الإرهاب ودعموه ثم "انكووا بناره"، لكن الزمن تغير وترامب ليس كمن سبقوه، ولا يبدو أن لديه الرغبة في استنزاف فترة حكمه الثانية في التعاطي مع مشكلات مزمنة، هو نفسه يعتقد أن الإدارات الديموقراطية كانت سبباً في استفحالها. نعم لم ننسَ دعم واشنطن، في إطار الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، "المجاهدين" في أفغانستان ليخوضوا حرباً بالوكالة ضد السوفيات. تبنت أميركا تلك الاستراتيجية في عهد الرئيس الديموقراطي جيمي كارتر (1977 – 1981) واستمرت في عهد الجمهوري رونالد ريغان (1981 – 1989) وخلال الحرب ضد القوات السوفياتية في أفغانستان (1979 – 1989) تحولت كهوفها إلى حاضنة ضخمة للإرهاب، برعاية أميركا، فأرسل المقاتلون إليها من دول عربية وإسلامية وتولى المستشارون العسكريون الأميركيون التخطيط لـ"تسمين النمر الوليد"، إلى أن هُزم السوفيات، وتحولت أفغانستان إلى قاعدة للإرهابيين، الذين باتوا مُطاردين من حكومات دولهم، ليتوافق هواهم في تلك المرحلة مع هوى التنظيم الوليد: "القاعدة"، الذي ذابت كل التنظيمات في بوتقته التي قادت حركة الإرهاب العالمية التي ارتدت للأميركيين عند تفجير سفارتي أميركا في نيروبي ودار السلام في آب (أغسطس) 1988 ثم في هجمات 11 أيلول (سبتمبر) من العام 2001، وبعدها العالم دخل في موجة من الحروب والغزوات أنتجت تداعيات عدة من بينها "داعش". دون أن تدري وضعت أميركا حجر الأساس لفوضى صدّرتها للعالم وفي وقت لاحق استردت بعضاً منها. صحيح أن تعبير "الفوضى الخلاقة" كان من ابتكار وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس، وأطلق في عهد الرئيس الجمهوري بوش الابن، لكن يبدو كأن الديموقراطيين تلقفوه وبنوا عليه وسعوا إلى تحقيقه خصوصاً في عهد أوباما على أرض الواقع، فارتد لاحقاً إليهم. طبيعي أن يكون ذلك التاريخ مزعجاً خصوصاً في ضوء ما يجري الآن على الأرض، فبينما كانت إسرائيل تتوسع في الجولان، بتأييد أميركي، تحول الجولاني إلى الشرع، وسط تساؤلات عن مستقبل الحكم بالشرع، دون أن يصدر عنه أي رد فعل تجاه ما يجري في الجولان، وذلك الانزعاج "يزعج" مؤيدي الجولاني و"قسد" و"الإخوان" وكل التنظيمات السورية، الذين يخلطون، عند الحكم على مواقف المتشائمين بالنسبة لمستقبل سوريا، ويعتقدون أنهم لا يريدون لسوريا الخير على أيدي المتطرفين "المودرن" حتى لا يكونوا نموذجاً صالحاً للحكم في بلدان أخرى. الحقيقة أننا نتمنى لسوريا كل الخير تحت أي حكم، لكن ما نخشاه أن يكون ذلك البلد العربي انتقل من ظلم بشار الأسد إلى ظلمات التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وذلك التوقع بني على تاريخ تلك التنظيمات في الحكم في بلدان أخرى. انظر إلى تجاربهم في مصر وتونس وليبيا واليمن وأفغانستان وإيران ولبنان وقطاع غزة ونتائجها الكارثية عليهم وعلى شعوب تلك البلدان، والمسألة أنهم فاشلون بل يدمنون الحسابات الخاطئة، لديهم خبرات واسعة في الهدم والتخريب وربما إسقاط الأنظمة، لكن لا يملكون أي رؤى للبناء والتعمير وحماية شعوبهم.
الجولان والجولاني ومستقبل الحكم بـ"الشرع"!
مواضيع ذات صلة