علي عبيد الهاملي
من جديد لمع بريق الذهب في «حصن الظفرة»، يوم الخميس الماضي، خلال حفل توزيع جوائز الدورة الثانية من مسابقة «سرد الذهب»، التي ينظمها «مركز أبوظبي للغة العربية»، والتي تكرم رواة السّير والآداب والسرود الشعبية محلياً وعربياً وعالمياً.
فكرة الجائزة واسمها ينبعان من فكر وقول المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومن التراث الغني الذي تركه لنا في أشعاره الجميلة والمعبرة، وهو الذي اشتق منه اسم جائزة «سرد الذهب» بفروعها الستة التي تصب في مجرى المحافظة على هذا التراث، ونشر القيم والمبادئ التي آمن بها الشيخ زايد، طيب الله ثراه، ووجه أبناءه إلى التمسك بها، والعمل على تطبيقها ونشرها بين شعوب الأرض جميعاً.
لقد كانت الفكرة والأهداف واضحة لدى «مركز أبوظبي للغة العربية» عندما أطلق الجائزة عام 2022م، حيث هدف إلى تعزيز الثقافة العربية، ودعم حضور اللغة العربية وإحيائها، وتسليط الضوء على فنون الحكاية الشعبية والسردية الإماراتية والإنتاجات الملهمة في هذا المجال، والعمل على إحياء فن الحكاية الشعبية، والسَّرد القصصي، والملاحم الشعبية التي تمثل جزءاً أساسياً من الثقافة العربية، والتعبير عنها ضمن حالة فنية معاصرة، تبرز جوانب التميز والجمال والحكمة لدى أجدادنا الأوائل، وتدعم تقديم الرسالة التاريخية لهذا الفن، وتوثيقها للأجيال المقبلة، كي تصل الماضي بالحاضر، وتعزز الفخر بالتراث الشعبي لدى الأجيال التي لم تعش المراحل الأولى من تاريخ وطنها.
وقد نجح المركز في تحقيق هذه الأهداف من خلال ما أنجزته الجائزة خلال دورتيها الأولى والثانية، والزمن كفيل بتحقيق المزيد منها عبر الدورات المقبلة، وانتشار اسم الجائزة في أنحاء الوطن العربي وخارجه، انطلاقاً من أن الجائزة تسعى إلى تكريم كل الذين يعملون على نشر القيم التي تؤمن بها قيادة الإمارات، وهي قيم قائمة على التسامح والتعايش بين البشر، ونبذ الخلافات والصراعات والتعصب والتطرف بين الشعوب من أتباع الديانات، ومن العرقيات والثقافات المختلفة.
لقد حققت الجائزة في دورتها الحالية، نمواً كبيراً في عدد الأعمال المشاركة الذي وصل إلى 1213 عملاً من 34 بلداً، منها 19 بلداً عربياً، ونسبة زيادة بلغت 23 % عن دورتها الأولى التي شهدت مشاركة 983 بلداً.
هذه الزيادة في عدد المشاركات تثبت أن الجائزة تحظى بانتشار كبير بين المهتمين بهذا النوع من السرد في مختلف البلدان، خاصة وأن الجائزة ما زالت وليدة بالمقارنة مع الجوائز الأخرى في دولة الإمارات العربية المتحدة والوطن العربي، ومعروف أن الجوائز تحتاج إلى وقت وجهد حتى تصل إلى مثل هذا النمو الذي حققته جائزة «سرد الذهب» من خلال دورتين فقط.
وهو أمر إن دل على شيء فإنما يدل على نشاط فريق الجائزة والجهد الذي يبذله الفريق في الترويج لهذه الجائزة المتخصصة، كما يدل على أن هناك جمهوراً من المبدعين العرب متعطشاً إلى مثل هذا النوع من الجوائز، وأن هذا الجمهور بحاجة إلى الدعم الذي تقدمه له جائزة «سرد الذهب» بقيمتها المادية، وبالقيمة المعنوية التي تضفيها على من يفوز بها في فروعها المختلفة.
الحديث الذي دار بين المثقفين والأكاديميين الذين حضروا حفل توزيع جوائز الدورة الثانية من جائزة «سرد الذهب» ركز على الدور الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة في تشجيع المبدعين والأكاديميين العرب، وتحفيزهم للمزيد من الإبداع والبحث الأدبي والعلمي، وذلك من خلال الجوائز العلمية والأدبية المتعددة التي تطرحها مختلف الدوائر والمؤسسات العلمية والأدبية والثقافية طوال العام، والتي تتيح للمبدعين والأكاديميين من مختلف أنحاء الوطن العربي المشاركة فيها، عبر منافسة شريفة وحوكمة نزيهة وشفافة، لا تتدخل في تحديد نتائجها توجهات سياسية أو دينية أو طائفية أو فكرية من أي نوع، بدليل هذا التنوع الكبير الذي شاهدناه من خلال أسماء الفائزين بهذه الجوائز والبلدان التي ينتمون إليها، وهو ما يدل على الحيادية والأمانة العلمية والأدبية التي تتمتع بها لجان هذه الجوائز العليا واللجان التحكيمية التي تمر من خلالها الأعمال المشاركة في هذه الجوائز.
بريق الذهب الذي لمع في «حصن الظفرة»، يوم الخميس الماضي، أضاء سماء الإبداع في الإمارات والوطن العربي كله، وألبس الإمارات عقداً فريداً من التألق في تنظيم الفعاليات الثقافية وإخراجها.