أدرج سيد قطب كتابي محمد الغزالي (الإسلام والأوضاع الاقتصادية) و(الإسلام والمناهج الاشتراكية) ضمن قائمة مراجع كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام). هذان الكتابان هما أول كتاب وثاني كتاب أصدرهما محمد الغزالي. الأول صدر عام 1947، والثاني صدر عام 1948. وهذان الكتابان هما أول كتابين إخوانيين لا بأس بهما مقارنة بكتب دعوية أخرى ألّفها آخرون من جماعة الإخوان المسلمين قبل صدور هذين الكتابين، ومع صدورهما، وبعيد صدورهما.
ويمكن عدّهما، أيضاً، من بواكير كتب «الثقافة الإسلامية» أو «الدراسات الإسلامية» ذات البعد الحركي، كما يتصور الإسلاميون تلك الثقافة وتلك الدراسات إلى يومنا هذا.
إدراج سيد قطب كتابي الغزالي في قائمة مراجع كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) كان تتويجاً لاحتفائه بهذين الكتابين والذي بدأ في مقالة كتبها عن الكتاب الأول في جريدة «الوادي» بتاريخ 18 أغسطس (آب) 1947، تلتها مقالة كتبها عن الكتاب الثاني في مجلة «الفكر الجديد» بتاريخ 1 يناير (كانون الثاني) 1948، حين كان مسؤول تحريرها، وكان محمد الغزالي من كتابها.
بعد حسن مودة، تردَّت العلاقة بين الاثنين إلى مهاوي البغضاء، بعد انضمام سيد قطب إلى جماعة الإخوان المسلمين عام 1953، وسبب ذلك أن سيد قطب بعد انضمامه إليها عاضد المرشد الجديد لجماعة الإخوان المسلمين، حسن الهضيبي في الخلاف الشرس الذي خاضته معه بعض قيادات هذه الجماعة التي كانت ترى أنه ليس كفئاً للقيادة، وكان الغزالي أحدهم. وقد أفضى هذا الخلاف الشرس إلى قرار فصل الغزالي وفصل صالح عشماوي وأحمد عبد العزيز جلال من الجماعة في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1953. وكان قبلها قد صدر قرار بفصل أربعة من قادة التنظيم السري، هم عبد الرحمن السندي وأحمد عادل كمال وأحمد الصباغ وأحمد زكي حسن. وكان صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبد العزيز جلال متحالفين مع هؤلاء القادة للتنظيم السري على إجبار الهضيبي على تقديم استقالته من منصب المرشد العام.
زد على ذلك السبب أن الغزالي من مجموعة في الإخوان المسلمين تطالب بضرورة التعاون مع رجال الثورة، وسيد قطب كان من المجموعة التي على رأسها الهضيبي التي ترفض هذا الأمر، وتتربص بهم سانحة الدوائر. وسيد قطب - أساساً - لم ينضم حزبياً إلى الإخوان المسلمين إلا لأنَّ صدره كان يجيش عليهم بالغل والحقد، لأنهم لم يحققوا لهم مراده في العلو بالمنصب والرئاسة في دولتهم الجديدة والذي كان ينتظر أن يناله بعد إسرافه في الدعاية لهم بقلمه الصحافي الذي يتميز بالأسلوب الأدبي الجذاب والرشيق.
في مقال من مقالات كتابه (من معالم الحق) الصادر عام 1954، هاجم محمد الغزالي حسن الهضيبي هجوماً عنيفاً تضمن الكثير من الإزراء به وبأتباعه والتحقير له ولهم. وفي الطبعة الثانية من هذا الكتاب الصادرة عام 1963، بعنوان إضافي هو: (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث)، زاد هذا الهجوم العنيف عليه باتهامه مع سيد قطب بأنهما من العناصر الماسونية التي اخترقت جماعة الإخوان المسلمين!
اتهامه لسيد قطب في هذه الطبعة من هذا الكتاب بأنه مدسوس على الإخوان المسلمين لغاية ماسونية مؤامراتية تريد الشر بهم، مع تأكيده على أنه «انحرف» بدعوة الإخوان المسلمين عن طريق مرشدها الأول حسن البنا، هي البيِّنة الوحيدة المكتوبة التي أعلنت عن عمق عداوته له التي لم يكشف عنها في الطبعة الأولى من هذا الكتاب. وتشير – أيضاً – إلى أن عداوته له متصلة بعداوته الأساسية لحسن الهضيبي.
هنا يبرز سؤالان هما: لماذا تأخر عن قول رأيه في سيد قطب تسع سنوات، وهي السنوات التي تفصل بين صدور الطبعة الأولى والطبعة الثانية لكتابه؟!
ولماذا لم يعاود هذا القول مرة أخرى في مقال من مقالاته أو في كتاب من كتبه، أو – على الأقل – يوجه له انتقاداً رصيناً؟!
السؤال الأول، لا أملك إجابة عنه. أما السؤال الثاني، فالإجابة عنه تكمن في توالي أحداث ألمّت بسيد قطب بعد صدور الطبعة الثانية من كتاب (معالم الحق) عام 1963، هي:
في 26 مايو (أيار) 1964، خرج سيد قطب من السجن تحت ستار العفو الصحي قبل أن يستكمل المدة الزمنية لعقوبته. والسبب الحقيقي في العفو عنه هو استجابة جمال عبد الناصر لشفاعة عبد السلام عارف بالعفو عنه. لأن الأخير كان من أنصاره ومن الموالين له في العراق. والعراق كان يراه عبد الناصر ساحة سياسية وحزبية وعسكرية مهيأة لبسط نفوذه ونفوذ مصر عليه، رغم تعدد خصومه السياسيين والحزبيين في هذا البلد.
في 9 أغسطس عام 1965، أعيد سيد قطب إلى السجن بتهمة جديدة، وهي قيادة تنظيم 1965 الانقلابي.
في 29 أغسطس عام 1966، نفُذ فيه حكم الإعدام شنقاً.
وقبل إعدامه، حين صدر عليه حكم بالإعدام شنقاً ثارت ضجة إسلامية ضخمة خارج مصر حول هذا الحكم، تناشد جمال عبد الناصر تخفيف هذا الحكم.
وبعد وفاة جمال عبد الناصر تفاقمت دعاية الإخوان المسلمين في مصر وفي غيرها من البلدان العربية لشخص سيد قطب ولفكره، وراجت بسبب هذه الدعاية كتبه وكتب الإخوان المسلمين وكتب الإسلاميين عموماً.
كل هذا جعل محمد الغزالي لا يكرر ما قاله عن سيد قطب في عام 1963، وأن يحجم عن توجيه أي نقد له حتى لو كان نقداً رصيناً مع تحول شخص سيد قطب بفعل تلك الدعاية الإخوانية العاتية إلى قدّيس وإلى بطل أسطوري، وصيرورة فكره فكراً شبه إلهي عند الإسلاميين.
واكتفى بموقف سلبي منه، وهو موقف الصمت، فلم يذكره ولم يذكر كتبه – لسنوات طوال – لا بالنقد ولا بالثناء. وللحديث بقية.