سهوب بغدادي
في خضم التغيرات الجلية التي نشهدها في تكوين الأسرة في يومنا الحالي، ومع تسارع وتيرة الحياة وتأطرها بالعمل والدراسة والانشغالات والواجبات الاجتماعية، يبرز لنا التوجه نحو الاستعانة بعاملة منزلية وفي بعض الأحيان مربية للأطفال أو ما يطلق عليه مسمى «ناني»، في السابق، كانت الأسر ممتدة أي يتواجد الابن مع والديه في ذات المنزل، فيعيش الحفيد في أسرة متعددة الأفراد، ويساهم كل فرد في تربيته ورعايته وسد النقص في حال تواجده، فضلًا عن اندماجه بشكل لصيق مع الأطفال الآخرين في ذات العائلة من أبناء عمومة وأحفاد، كل هذه الأمور تغيرت بالنسبة لمعظم الأسر نظرًا لبروز معطيات جديدة ومتنوعة، وتغيرات في صلب الحياة الاجتماعية والعلمية والعملية وما إلى ذلك، وهذا أمر حاصل لدى العالم بأسره، لا بأس من طلب المساعدة والعون والمساندة من شخص آخر، خاصةً في حال انشغال الفرد في العمل أو الدراسة أو ما شابه، إلا أن الإشكالية تكمن في التخلي المطلق عن الدور بأكمله، كالمشهد المعتاد الذي غالبًا نراه في الأسواق لتلك الأم التي تمشي وتجر خلفها العاملة المحملة بالأطفال والحاجيات في آن واحد، أو الأم التي تكتفي بالتواجد مع الطفل عندما يكون هادئًا فقط، وتمرره بشكل فوري للمربية عندما يتطلب أي شئ، كالطعام والشراب أو تبديل الملابس وغيرها، فإن ذلك الفعل ينطوي على آثار عديدة وتداعيات مستقبلية على الطفل والوالدين على حد سواء، ومن أبرزها: التأثيرات على الناحية النفسية للطفل، على سبيل المثال: هناك بعض الأطفال الذين يتعرضون للتنمر في المدرسة بسبب توصيل العاملة لهم وتواجدها معهم على الدوام، مما يتسبب في الأثر التالي: الانتماء العاطفي لغير الوالدين، فمن الطبيعي أن الطفل سينتمي إلى من يقضي معه غالبية الوقت، أيضًا هناك الجانب اللغوي والتعليم، فنرى أطفالًا يتحدثون باللغات الآسيوية أو في أحسن الأحوال اللغة الانجليزية بلهجة آسيوية أو عربية ركيكة، فالعاملة قد تؤثر على سلوك الأطفال من خلال بث قيمها الخاصة وثقافتها ودينها، مما ينتج عنه اختلافًا في التنشئة الاجتماعية التي يسعى الوالدين لها، كما نرى تعاظمًا في الاتكال على المربية والاعتماد الزائد عليها في الأمور اليومية البسيطة و البديهية التي تعتبر من المهارات اللازمة للطفل، إنها ليست دعوة للتخلي عن العاملة المنزلية أو المربية باعتبار أن بعض الأسر في حاجة ماسة لهن، خاصةً مع دور المرأة اعاملة الفعال وقيامها بأدوار مفصلية وعديدة لازدهار المجتمعات، إنما رسالة لإلقاء الضوء على إيجاد طرق أفضل تصب في صالح الطفل والمربي، من خلال تخصيص الوقت الثابت للطفل والعمل على التربية الصحيحة، ليس فقط برمي عبارات التوجيه هنا وهناك، والاكتفاء بالنهي والزجر أو إمطار الطفل بالدلال والهدايا دون تفعيل الجوانب الأخرى، دائمًا نسمع جملة «التربية صعبة» فعلًا، إنها صعبة بحق عندما نجد هذا الصراع والتداخل والتأثير الخارجي دون أدنى تخطيط وقواعد ورصيد حب مسبق ومتأصل لدى الطفل، كذلك، تنعكس الصعوبة من الجهل بالشئ وقلة المعرفة في الإطار المطلوب، ومن حسن الحظ أن عصرنا الحالي زاخر بالمعرفة ووسائلها وأدواتها بكل يسر وسهولة.