منذ إعلانه عن التوصل إلى اتفاق لوقف النار في لبنان ليل الثلاثاء، كرر الرئيس الأميركي جو بايدن أكثر من مرة، أن إدارته تبذل جهوداً للتوصل إلى اتفاق مماثل في قطاع غزة، حيث أقر بأن "السكان هناك يعيشون ظروفاً جهنمية، وقد تحطم عالمهم، وعانى الكثير من المدنيين وبشكل كبير". في ضوء الحماس المتأخر، يبرز السؤال حول أي حد يمكن بايدن أن يترجم أقواله إلى أفعال، بينما يبقى له أقل من شهرين في البيت الأبيض؟ الواقع، هو أن بايدن تشجع بالتوصل إلى اتفاق في لبنان، لينطلق منه إلى غزة معتمداً على عوامل عدة. لقد قيل إن ما حمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على القبول بهدنة الـ60 يوماً في لبنان، هو أن مجلس الأمن كان في طريقه إلى إصدار قرار يطالب بوقف النار، وبأن واشنطن لم تكن تعتزم استخدام حق النقض "الفيتو" ضده، ما يزيد من الضغوط الدولية على إسرائيل، في وقت لم تمض فيه أيام على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. بايدن والكلام عن غزة، أتى عقب ما نقله الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ عن أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تفاجأ عندما علم أنه لا يزال هناك أسرى أحياء في غزة، وأنه سيعمل على إخراجهم من هناك. إن شعور ترامب بالدهشة، أتى وكأنه بمثابة لفت نظر لإدارة بايدن كي تفعل شيئاً في ما يتعلق بالوضع في غزة. وكما شاركت إدارة ترامب بطريقة أو بأخرى في الدفع نحو هدنة في لبنان، في الإمكان تطبيق المعيار ذاته على غزة والتوصل إلى اتفاق لوقف النار وتبادل الأسرى، وربما يفتح الطريق نحو مسار سياسي طال انتظاره لإيجاد حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. غزة، كانت من بين الأسباب التي أدت إلى هزيمة المرشحة الديموقراطية في الانتخابات الرئاسية في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، فهل يستدرك بايدن، في ما تبقى له من أيام في البيت الأبيض، الخطأ الذي ارتكبه عندما قدم دعماً عسكرياً وديبلوماسياً لإسرائيل، من دون الحصول منها على مقابل؟ المواقف السابقة لا توحي بأن بايدن يستطيع أو حتى أنه يرغب في ممارسة ضغوط على نتنياهو للقبول باتفاق في غزة. والأسبوع الماضي فقط، استخدمت واشنطن الفيتو ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب "بوقف فوري للنار في غزة". المستجد الآن، هو نجاح بايدن في وقف الحرب على لبنان. وبهذا الزخم الديبلوماسي الذي تحقق هنا، يحاول الرئيس الأميركي نقل هذا النجاح إلى غزة. وهو يعلم أن نتنياهو لن يبيعه هدنة غزة وإنما يفضل أن يهديها لترامب في بداية ولايته. هذا، إلا إذا كان ترامب يدفع أيضاً نحو تسوية في غزة قبل دخوله البيت الأبيض، كي يتمكن من التباهي في خطاب التنصيب، بأنه وفى بوعده في إيقاف الحروب قبل تسلمه منصبه رسمياً. ويوحي فريق السياسة الخارجية الذي اختاره ترامب، بأن الكفة تميل فيه كما كان متوقعاً لمصلحة إسرائيل مئة في المئة. من وزير الخارجية ماركو روبيو إلى مستشار الأمن القومي مايك والتز إلى المندوبة لدى الأمم المتحدة أليس إستيقانيك إلى السفير لدى إسرائيل مايك هاكابي. هل يعني ذلك عودة إلى "صفقة القرن" التي صاغها صهره جاريد كوشنر في ولايته الأولى أو إلى شيء يشبهها، أم يكتفي بإدارة النزاع لأربعة أعوام أخرى؟ ومهما كانت خيارات ترامب بعيدة المدى، فإنه لا بد له من الانطلاق من وقف الحرب على غزة، قبل التفكير في خيارات أخرى.
اتفاق لبنان... يفتح الطريق إلى غزة؟
مواضيع ذات صلة