عماد الدين حسين
كيف سيرد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وجيشه، على استخدام الجيش الأوكراني للصواريخ الأمريكية الباليستية «ATACMS»، وهل سينفذ فعلاً وثيقة تغيير العقيدة النووية بما يقود لحرب عالمية ثالثة لكنها هذه المرة نووية؟
صار معروفاً أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وقبل خروجه من البيت الأبيض في 20 يناير المقبل اتخذ واحداً من أهم القرارات وهو ليس فقط إمداد أوكرانيا بصواريخ «ATACMS» القادرة على ضرب أهداف حيوية في العمق الروسي، ولكن السماح باستخدامها، وهو ما تم بالفعل الأربعاء الماضي.
الجيش الروسي أعلن أن أوكرانيا أطلقت 6 صواريخ باليستية من طراز «ATACMS» باتجاه منطقة بريانسك قرب الحدود وغرب البلاد، وتم إسقاط خمسة صواريخ بطواقم منظومتي الدفاع الجوى إس 400 وبانتيسر، في حين أن شظايا الصاروخ السادس تسببت في إشعال حريق لم يؤدِ إلى خسائر بشرية أو مادية.. هذه الصواريخ مداها 165 كيلومتراً وهي قادرة على قصف المطارات ومستودعات الذخيرة والبنية التحتية الروسية.
هذا القرار الذي اتخذه بايدن وقرر نقل الصواريخ بصورة سرية، يمثل تطوراً نوعياً في الحرب الروسية الأوكرانية المندلعة منذ 24 فبراير من العام 2022. روسيا فهمت الرسالة بسرعة، واعتبرت هذا التطور مشاركة فعلية ورسمية من حلف شمال الأطلسي «الناتو» في الحرب الدائرة، وبالتالي فإن موسكو سوف تتخذ قراراتها في ضوء هذه الحقيقة.
الترجمة الروسية للقرار الأمريكي بإرسال هذه الصواريخ النوعية كان موافقة وتصديق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الثلاثاء الماضي على تحديث وثيقة العقيدة النووية الروسية في مجال الردع النووي، ما يعني دخول الوثيقة حيز التنفيذ.
السؤال ما التعديلات الجديدة في السياسة النووية الروسية؟
حينما كان هناك صراع القطبين بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانت هناك العديد من الاتفاقيات التي تقلل من أي احتمالات للمواجهة النووية، لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وتفكك حلف وارسو، فإن غالبية أعضائه انضموا إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو»، ووصل الأمر إلى أن بعض الدول المحيطة بروسيا قد انضمت للناتو، لكن حينما حاولت أوكرانيا الانضمام اندلع الصراع الروسي الأوكراني عام 2022. وهنا من المهم الإشارة إلى أن بوتين أصدر مرسوماً عام 2020 جاء فيه أن روسيا ستستخدم الأسلحة النووية في حال وقوع هجوم نووي من عدو أو هجوم تقليدي يهدد وجود الدولة الروسية.
أما تعديل الثلاثاء الماضي فقد تضمن بنداً جديداً ومهماً وخطيراً جاء فيه نصاً: عدوان أي دولة من التحالف العسكري ضد روسيا أو حلفائها يعتبر عدواناً من قبل هذا التحالف ككل حتى لو جاء من دولة غير نووية لكن مدعومة من دول نووية.
الترجمة الفعلية للتعديل الجديد هو أن قيام أوكرانيا باستخدام الصواريخ الباليستية القادمة من دولة عضو في الناتو أو شعور روسيا بوجود تهديد خطير للسيادة وسلامة أراضيها أو أراضي بيلاروسيا، سيعني استخدام روسيا للأسلحة النووية، حتى لو كان التهديد من دولة غير نووية لكنها مدعومة من دول تناصب روسيا العداء.
في تقديري أن الهدف الأساسي من صدور التعديل الجديد على العقيدة النووية الروسية هو إرسال رسالة لكل أعداء وخصوم روسيا مفادها أن عليهم الإدراك بحتمية الرد النووي على أي هجوم على روسيا أو حلفائها. والكلمة الأخيرة تعني بوضوح بيلاروسيا. وبالتالي فالمرسوم الجديد يوسع نطاق التهديدات التي قد تجعل روسيا تفكر في توجيه ضربة نووية وإدخال بيلا روسيا تحت مظلتها النووية.
طبقاً لما قاله بوتين، فإن العمل على هذه التعديلات تم على مدار العام، والسبب أن «السلاح النووي يظل أهم ضامن لتحقيق أمن لدولتنا ومواطنينا وأداة للحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي وتوازن القوى في العالم»، بحسب كلمات بوتين.
العديد من المسؤولين الروس تحدثوا بتشاؤم في الفترة الأخيرة فنائب وزير الخارجية سيرغي رياكوف، قال إن «خطر اندلاع صراع مباشر بين القوى النووية صار مرتفعاً الآن»، خصوصاً أن الغرب يستخف باستعداد روسيا للدفاع عن نفسها وضمان مصالحها تحت أي ظرف». ليونيد سلوتسكي، رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما قال إن هجمات صواريخ الآتاكمز تستلزم رداً قاسياً، وأن الرئيس الأمريكي أراد أن يدخل التاريخ في ختام فترته باعتباره «جو الدموي». أما نائبه فلاديمير جباروف فاعتبر أن قرار واشنطن قد يتسبب في حرب عالمية ثالثة وأنه سوف يتلقى رداً سريعاً.
السؤال ما التوقعات بعد كل ما حدث؟
بوتين ورغم أنه قال إن صواريخ «ATACMS» لن تغير الواقع الميداني، بل ستزيد من أمد الصراع ومعاناة أوكرانيا، فإن تقارير كثيرة تحدثت عن أن روسيا قد تشن هجمات بأسلحة غير مسبوقة ضد أوكرانيا. ونتيجة لهذه الأجواء المشحونة والتهديد بالسلاح الأخير فقد أغلقت بعض السفارات الغربية أبوابها في كييف الأربعاء الماضي خوفاً من هذا الهجوم المرتقب.
لكن في ظني أن السيناريو المنتظر يتوقف على عدد الصواريخ «ATACMS» التي تسلمتها كييف ويقال إنها 20 صاروخاً فقط، وحجم الأضرار التي سوف تسببها لروسيا، وهل صحيح أن إدارة بايدن تريد زيادة حدة التورط العسكري الأمريكي الأوروبي في استنزاف روسيا من أجل إغراق دونالد ترامب في المستنقع الأوكراني، وبالتالي إحباط خططه لوقف الحرب بصورة قد تستفيد منها روسيا فقط؟!