في العددِ التالي للعددِ الذي نشرت فيه رسالة سيد قطب المفتوحة إلى توفيق الحكيم في مجلة «الرسالة»، نُشر في صفحة «البريد الأدبي»، عدد 829 يوم 23 مايو (أيار) 1949. ردٌ على دعوى سيد قطب حول الفلسفة الإسلامية كتبه محمد البهي أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية أصول الدين بالأزهر، وكان عنوان الرد «الأزهر والفلسفة الإسلامية». البهي بدأ ردّه بالقول: «أود أن أطمئن الأستاذ الكاتب الفاضل على أن الأزهر في تاريخه لم يدرّس الفلسفة الإسلامية على اعتبار أنها تمثل فلسفة الإسلام، أو تحكي مبدأً من مبادئه، أو هدفاً من أهدافه. ففي ماضيه كان يحرّم دراسة النوع الإلهي من الفلسفة الإسلامية، لأنه كان يرى في هذا النوع انحرافاً واضحاً عن الإسلام. ومن أجل ذلك كان يلوم فلاسفة المشرق، أمثال الكندي والفارابي وابن سينا، على اشتغالهم به، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، وجارى الغزالي في كتاب (تهافت الفلاسفة)، وكفّر هؤلاء الفلاسفة لمسايرتهم الفكر الإغريقي في القول بقدم العالم، وقصر علم الله على الكليات، وإنكار بعث الأجسام.
في العصر الحديث يدرّس الأزهر في كلياته الفلسفة الإسلامية كما يدرّس أنواع الفلسفات الأخرى من الإغريقية، إلى الدينية في القرون الوسطى، إلى المذاهب الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة على أنها اتجاهات للفكر الإنساني في أزمنة متعاقبة وفي بيئات مختلفة، وقد يكون بعضها ترديداً لبعض، أو إضافة جديدة لما سبق.
وهو في هذه الدراسة يوازن بين إنتاج الفكر الإنساني في عصوره المختلفة، وبين الإسلام كدين أوحي به من عند من له الكمال المطلق.
ومع شكري للأستاذ الفاضل على غيرته القومية والإسلامية، ودفاعه عن (أصالة) الشرق في تفكيره، ورغبته الشديدة في أن يرى اعتزاز أهل الشرق والإسلام بما لهم من ثقافة وتوجيه في المرتبة الأولى بما يعتز إنسان مثقف، أؤكد له أن الأزهر تسيطر عليه في البحث والتوجيه روح إسلامية شرقية عرفت ما في الغرب من ثقافة واتجاه بعدما وعت ما في الإسلام من مبادئ ودرست ما كان لشعوبه من خصائص في الأدب والحكمة. ويسعدني أن يكون كتابي (الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي) وسيلة يعرف بها الأستاذ هذه الروح في الأزهر».
كتاب البهي الذي أشار إليه في خاتمة ردّه على سيد قطب، كان الجزء الأول منه قد صدر عام 1945، وصدر الجزء الثاني منه عام 1948. وهذا الكتاب يعد من ضمن المصنفات الأولى في مجال الفلسفة الإسلامية في مصر الحديثة.
مر بنا في المقال ما قبل السابق، أن سيد قطب في كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام» في طبعته الأولى أصدر أوامر للمصريين كانت تتأرجح ما بين حظر تدريس الفلسفة وتقييد تدريسها.
حَظْرُ تدريسِها خُصَّ به المدارس الثانوية. أما تقييد تدريسها فيكون في الجامعة «فلا تدرّس في الجامعة أيضاً إلا بعد السنتين الأوليين في قسم الفلسفة على أقل تقدير»!
الجامعة كان يعني بها جامعة فؤاد الأول والتي كانت قبل عام 1937. تعرف باسم الجامعة المصرية، ثم في عام 1953 تغير الاسم إلى جامعة القاهرة. كما يعني بها جامعة فاروق الأول التي تغير اسمها في عام 1952 إلى جامعة الإسكندرية.
مدة الدراسة في الجامعة هي أربع سنوات، وهو يطالب بألا تدرّس الفلسفة في قسم الفلسفة بكلية الآداب في تينك الجامعتين إلا ابتداء من السنة الثالثة في هذا القسم «على أقل تقدير»! وتدرّس فيه ابتداء من السنة الرابعة على أحسن تقدير!
في السنة الأولى وفي السنة الثانية يأمر سيد قطب، أن يدرس طلبة قسم الفلسفة «دراسة إسلامية خالصة، تقرر الفكرة الإسلامية الحقة، مبرأة مما يسمى الفلسفة الإسلامية» هذا «على أقل تقدير». أما على أحسن تقدير، «فالدراسة الإسلامية الخالصة» يتلقونها في قسم الفلسفة إلى ما قبل وصولهم إلى السنة الرابعة.
هاتان الجامعتان لا يقتصر قسم الفلسفة فيهما على تدريس الفلسفة الإسلامية، فالفلسفة الإسلامية هي مادة من ضمن مواد فلسفية أخرى يدرسها طلاب هذا القسم في هاتين الجامعتين.
القسم المستقل والخاص بالفلسفة الإسلامية موجود فقط في كلية دار العلوم، التي حين تخرج فيها سيد قطب عام 1933. كانت تسمى مدرسة دار العلوم. وقبل نشر رسالة سيد قطب المفتوحة إلى توفيق الحكيم بما يدنو من ثلاث سنوات كانت ضمت إلى جامعة فؤاد الأول، وقبل ضمها إلى هذه الجامعة بفترة وجيزة، تحديداً عام 1945، كان المجلس الأعلى لدار العلوم أقر فكرة جعل دار العلوم كلية جامعية للتخصص في الدراسات العربية مع احتفاظ الدار بكيانها وطابعها الإسلامي الخاص، واسمها التاريخي. اسمها التاريخي المقصود به «دار العلوم».
والفلسفة الإسلامية كانت في الأزهر في التاريخ الموافق لنشر كتابه ولنشر رسالته، كانت تُدرَّسُ ضمنَ موادَّ فلسفية أخرى في كلية أصول الدين. وللحديث بقية.