محمد سليمان العنقري
معروف أن الأسواق المالية شديدة الحساسية للأخبار والأحداث التي تؤثر بها سلباً أو إيجاباً، وهي تتبع بحركتها قرارات المتداولين، وغالبيتهم يتأثرون بلون الشاشة؛ فطبيعة الانسان الأبدية أنه يتاثر بشعوري الطمع والخوف، وهذا ما ينعكس بشكل واضح في أسواق المال عالمياً وليس بالسوق المحلي فقط، ولذلك اهتم المشرعون والمعنيون بإدارة الأسواق بوضع حلول تحد من تقلبات الأسواق وأسعار الأوراق المالية فيه ونعني بالدرجة الأولى الأسهم مثل تعميق السيولة بالسوق عبر اعتماد أدوات تداول عديدة تتدخل لتلعب دوراً وازن بأداء الأسواق إضافة لابتكار حلول تعطي المؤسسات المالية أدواراً مهمة بضبط الأداء لحركة كل سهم وغيرها من الحلول الشائعة..
فالأصل بقياس تذبذب الأسواق هو المدة الزمنية التي تحدث فيها التقلبات الحادة، أو ما يسمى بالتصحيح للأسعار او الفقاعات السعرية، فكلما زاد تنوع أدوات التداول والدور المؤسسي كان هناك مدد زمنية أطول بين كل حركة كبرى بالأسعار، فالأسواق الناشئة تكون الفترات عادة قصيرة بين تلك المراحل من عمر السوق وقد تصل لعامين أو نحو ذلك، بينما المتقدمة فعادة تأخذ مددا تصل لستة أعوام أو أكثر قليلاً، وبالتأكيد العوامل المؤثرة لا ترتبط بآلية عمل الأسواق فقط، بل هي محصلة لانعكاس أثر الاقتصاد المحلي والعالمي بأداء السوق الذي عادة يسبق اتجاه الاقتصاد بحركته صعوداً أو هبوطاً ويضاف لذلك أداء القطاعات الاقتصادية، فقد ينمو الاقتصاد لكن يكون هناك قطاعات تشبعت وتحتاج وقتا لاستعادة زخم النمو، أو أنها تتأخر بوصول أثر النمو لها، او يكون هناك تاثير من قرارات في السياسات المالية أو النقدية عليها، فقرارات الدول بتنمية اقتصاداتها او باتخاذ اتجاهات بسياساتها الحامية للاقتصاد والداعمة لنموه ليس بالضرورة أن يستفيد منها كل القطاعات بوقت واحد..
إن هذه الصورة العامة لما يؤثر بالاسواق هي مجرد خطوط عريضة فهناك شرح واسهاب اكبر لا تتسع له المقالات حول حركة الاسواق، لكن السؤال الموجه لمقام هيئة التأمين هو حول ما يشاع أنها تطلب من اي مستثمر يتملك نسبة 5 بالمائية في شركة تأمين مدرجة بسوق الأسهم أن يحدد مدة زمنية يلتزم بعدم تخارجه من السهم خلالها وهنا يكون السؤال اذا كانت المعلومات دقيقة: هل امتلاك هذه النسبة يحد من تذبذب سعر السهم بالسوق بالتأكيد لا، فلو حدث هبوط بالاسواق او كانت نتائج الشركة الفصلية او السنوية ضعيفة ستقوم المحافظ التي تمتلك أقل من تلك النسبة او الفقيرة عامة بالبيع ولا أحد يمكنه منعها فيصبح المستثمر المالك للنسبة المقيدة هو المتضرر الوحيد خصوصا اذا كان غير قادر على حماية السهم، يضاف لذلك تغير احوال اداء القطاعات الاقتصادية بتأثرها بحركة الاقتصاد، فمن يستطيع أن يضمن نموا اقتصاديا مستداما فنحن جزء من الاقتصاد العلمي، ولدينا تأثير كبير من ايرادات سلعة النفط، والاقتصاد العالمي يمر بمرحلة عدم يقين ولا يمكن توقع أسعار السلع لفترات طويلة ولكن المستثمر يهتم بالاحتمال الأسوأ للتحوط، كما ان تقلب اداء الشركات ومن بينها التأمين وارد وموجود فهل تضمن الهيئة اداء القطاع او الشركات بان يكون ايجابيا غالباً، هذا امر مستحيل؛ فالعوامل الاقتصادية هي المؤثر الأكبر بأداء كل قطاع أو شركة.
فلو حدث تأثير من أزمات اقتصادية أو مالية عالمياً فإن أسواق المال ستتاثر بتراجع الاعمال وستتعرض لعمليات تصحيح كبيرة، وشركات التامين من أهم المستثمرين بالأسواق المالية؛ أي أنها ستتعرض لخسائر دفترية ولا يمكن معرفة المدة الزمنية التي يمكن ان تعوض بها تلك التراجعات بأسعار الاسهم، أو مثلا تحدث كوارث طبيعية او حوادث على أصول ضخمة لديها بوليصة تأمين لدى شركة تأمين فيكون لها تأثير سلبي بالغ على نتائج شركة التأمين قد تطول فترة تجاوزه وتتعدى المدة التي ملزم ان يبقى بها المستثمر بالسهم ثم انه لا يوجد عمل مشابه من ادارات لقطاعات اخرى مثل الصناعة او الزراعة او اي مجال خدمي تتدخل في ملكية الاشخاص بالسوق في شركات تخضع لرقابتها تنظيمياً، فمهمة الجهات المشرفة على القطاعات الاقتصادية عموما تكون خارج نطاق سوق الاسهم والذي تتولاه هيئة السوق المالية باقتدار، وتضع الضوابط للافصاح والشفافية عن الملكيات الكبيرة من 5 بالمائة وأعلى من ذلك، وهذا كاف لحماية السوق وضمان حرية حركة رؤوس الاموال بالاضافة الى الضوابط التي تضعها للشركات المدرجة حديثا من منع البيع لمدد معينة على مؤسسي تلك الشركات بعد إدراجها فوضع قيود زمنية على المستثمر الجديد بشركات التامين لم ولن يمنع تذبذب أسعارها لانه ليس المالك المطلق الوحيد فيها، وهي تتأثر مثل غيرها من الشركات بقطاعات أخرى بعوامل عدة وقرارات المتعاملين هي من يتحكم باتجاهها.
يمكن للمضاربين التملك بإي شركة بعدة محافظ وبنسب اقل من 5 بالمائة لكل محفظة وبذلك يمكنهم التحكم بحركة السهم ولا يوجد شيء يمنعهم اذا كانت صفقاتهم نظامية ولا تخالف انظمة السوق وبذلك فالقيود على المستثمر المعلنة ملكيته تصبح بلا فاعلية كم ان القيمة السوقية لشركات التامين قد لا تصل لثلث قيمة بعض الشركات بقطاعات اخرى ومع ذلك لا أحد يطلب من المستثمرين الكبار بها ان يبقوا لمدد زمنية محددة فهذا مناف لحرية الأسواق، والتي تعد العامل الجاذب للاستثمار والحل هو بزيادة دور صانع السوق أي صانع السهم المعمول بها فعلياً بالسوق السعودي، وكذلك زيادة حجم أدوات التداول من العقود والبيع بالاجل ونحو ذلك، وكلها معتمدة بالسوق لكنها تحتاج لوقت ليزيد دورها وهذا امر طبيعي بالاضافة للعوامل الأهم والمتعلقة بتأثر حركة الاقتصاد الذي تلعب العوامل الخارجية والداخلية دورا حاسما فيه وانعكاس ذلك على القطاعات ومنها التامين، وأيضا الاثر على كل شركة بحسب التنافسية والظروف التشغيلية التي تواجهها القابلة للتغير من عام لآخر، واحيانا بمدد أقل من ذلك، فلماذا تقيد حركة المستثمر لسبب احتمالي وهو الحد من المضاربات او تذبذبات حادة على سعر السهم فهذا شأن يخص الأسواق وطبيعة عملها الشديدة الحساسية وقرارات المتعاملين فاسواق المال أهم عامل جاذب لها هو سرعة اتخاذ القرار وحريته للمتعامل.