: آخر تحديث

الدبلة وخاتم بروميثيوس

4
4
4

ارتداء السلاسل والأساور يرجع إلى مفهوم ليس للالتزام فحسب وإنما يتعدى ذلك إلى الإذعان والخضوع والامتثال، لأن الأسطورة اليونانية تقول إنه لم تكن هناك مظاهر لهذه الأزياء إلا عندما سرق بروميثيوس النار وأهداها للبشر فعوقب بوضع السلاسل في عنقه والأساور في يده ثم رُبط بصخرة عقابًا له، ومن هنا أصبحت السلاسل والأساور زيًا متوارثًا..

دائمًا وأبدًا تسعى النساء للتزين بالحلي، وقد ردها البعض إلى فطرة المرأة للتعزيز من نفسها ومن مكانتها وإظهار أنوثتها، فتتضاءل هنا العلة الاقتصادية من جانبها هي دون غيرها. كما أن ذلك قد يأخذ منحى آخر، وهو اعتلاء طبقة اجتماعية، فقد كانت نسوة الأثرياء -فيما سبق- هن من يرتدين هذه الحلي، فيما الآن لم يعد لهذا المفهوم مكان في ضوء تقارب الطبقات أو حتى السعي لنفيها والالتزام بها.

وارتداء الحلي في الوقت نفسه له مفاهيم كثيرة، تتعدد بتعدد الثقافات، واتساع رقعة المكان؛ ودبلة الخطوبة من أهم الحلي لمعالم الارتباط وإعلانا مضمرا عن الزواج أو الخطوبة.

فإذا ما خالط الرجل أو المرأة أفراد المجتمع وأحدهما، يرتدي في اصبعه دبلة فإنما يدل ذلك على أن كلا منهما قد ودع العزوبية، وأنه يحمل بين أذنيه كرة تشغلها امرأة! وإن كانت امرأة فقد تعلن عن رجل هي في عصمته، ولنا أن نتساءل عن أصل انتقال الدبلة من اليد اليمنى إلى اليسرى بعد إتمام مراسم الزواج وعقد القران؟ يقول أحد الباحثين في علم الاجتماع «تعتبر دبلة الخطوبة إحدى علامات ورموز التزام كل من العريس والعروس تجاه بعضهما البعض والحب الذي يجمعهما ببعضهما البعض. في الحقيقة، يطرح الكثير من الأشخاص أسئلة تتعلق بمكان ارتداء دبلة الخطوبة أسئلة مثل دبلة الخطوبة في اي يد؟ يعتمد اختيار أي يد وأي إصبع لارتداء دبلة الخطوبة على المجتمع الذي تنتمي إليه. يُعتاد ارتداء دبلة الخطوبة في الشَّرق الأوسط على الإصبع الرابع من أصابع اليد اليُمنى وكذلك يرتدي العريس دبلة خطوبة رجالية غالباً من الفضة في يده اليمنى أيضاً. يُعطي كل من الزوجين عهداً للآخر بالحب والالتزام، واليد اليمنى هي اليد التي يُحلَف بها يمين العهد، وبالتالي تعتبر الخطوبة أشبه بعهد وميثاق بين الخاطب والمخطوبة ولهذا السبب يتم ارتداء دبلة الخطوبة في اليد اليمنى».

أما العالم الكبير في علم الفولكلور فقد رد ذلك إلى مفهوم البركة وسطر بابا كاملا في مفهوم البركة وأصلها وتأصيل فلسفتها، حينما تناول خاتم الزفاف قال: «إن لبس خاتم الزواج يبتدئ بالمباركة». والمباركة التي هي لفظ يتردد على ألسنة الناس في المعاملات التجارية واتمام الصفقات لأن مفهوم البركة لدى الشعوب العربية متأصل في ثقافتهم إلى درجة كبيرة وقد ترتكز عليه حياتهم ومسيرتها.

ولعل ذلك يقودنا إلى أصل ارتداء الحلي وخاصة السلاسل والأساور، بينما لا يرتديها الرجال وإن ارتدوها كان مقيتا لدى البعض! فلماذا هذا المقت على الرجل إن فعل، والاستحسان للمرأة إن فعلت؟

إن ارتداء السلاسل والأساور يرجع إلى مفهوم ليس للالتزام فحسب وإنما يتعدى ذلك إلى الإذعان والخضوع والامتثال، لأن الأسطورة اليونانية تقول إنه لم تكن هناك مظاهر لهذه الأزياء إلا عندما سرق بروميثيوس النار وأهداها للبشر فعوقب بوضع السلاسل في عنقه والأساور في يده ثم رُبط بصخرة عقابا له، ومن هنا أصبحت السلاسل والأساور زيا متوارثا.

أما عن أصل ارتداء الخواتم والدبلة، فيقول الباحث الكبير شوقي عبدالحكيم في كتابه موسوعة الفلكلور والأساطير العربية «كان هناك أخوان، وكان أبوهما تيايتان قد حارب زيوس. أما هذان الأخوان فكانا رحيمين بالبشر يعيشان بينهم، أحدهما يدعى بروميثيوس أو بعيد النـظر ويفكر دائما في المستقبل ويخطط له، والثاني يدعي ايبيميتيوس أو الواقعي. إلا أن بروميثيوس رأى بثاقب فكره أنه بمساعدة النار سوف يصنعون من الحديد والبرونز أسلحة وأدوات كثيرة نافعة تزيد من رفاهيتهم».

ولذلك سرق بروميثيوس النار بوضع أخشاب جافة أمام الشمس الحارقة حتى اشتعلت وحصل البشر على النار مما جعل زيوس يربطه بسلاسل وثقها بصخرة وجعل النسر يأكل في كبده حتى جاء هيراكليز وسدد سهمه لهذه القيود فتحرر بروميثيوس وأخذ حفنة من تراب ذلك القيد وصنع منه خاتما دلالة على الانتصار ومن هنا كانت الخواتم ودبلة الزواج. يقول سالف الذكر «ومنذ تلك الحادثة، اعتاد البشر أن يصنعوا الخواتم في أصابعهم، للتذكير. بل وعلى هذا النحو من تفسير الأساطير -ما قبل العلم- عادة اتخاذ الخواتم. وكذا دبلة الخطوبة كذكرى لذلك الانتصار -العلمي- الباهر المصاحب لأول معرفة بالنار وطاقاتها التي حملها إليهم رغم عذابه ذاك الأزلي، بروميثيوس».

إننا إذا ما تأملنا اليوم في تلك المبالغات في المهور وحلي العرائس، وما تنفقه أغلب النساء على ما يرتدينه من مجوهرات وسلاسل وخواتم وحلي دون التفكر في مدلولها ومن أين أتت عبر أساطير الزمان وخرافات تثقل كاهل الرجل وتعرض الفتيات للعنوسة والشباب للعزوف عن الزواج لهذا التباهي الذي تعتبر مدلولاته ومفاهيمه مجرد خواء فكري مقيت، لا فائدة منه سوى التباهي في زمن لم يعد للتباهي فيه مكان سوى بالأخلاق وبالعلم ورفعة المكانة العلمية بين عالم يتسابق في الاختراعات وفي القوة والحرب والسلب وفي السلم أيضا، لنرتقى إذا ما أدركنا ذلك بشكل جلي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد