أسعد عبود
لماذا اختار الرئيس الأميركي جو بايدن زيارة أنغولا قبل موعد الانتخابات الأميركية في 5 تشرين الثاني (نوفمبر)؟ لا بد أن الزيارة المزمعة تحمل معاني رمزية ومادية ورسالة عنوانها أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أفريقيا في ظل المنافسة الشرسة على القارة السمراء من الصين وروسيا.
سيكون بايدن أول رئيس أميركي تطأ قدماه أرض أنغولا التي تحمل إرثاً ماركسياً وندوباً من حرب أهلية، في ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.
أنغولا دولة غنية بالنفط والثروات الأخرى الموجودة في باطن الأرض. وتسيطر الصين على معظم المشاريع الاقتصادية والاستثمارات في البنى التحتية، بينما تتكئ في سلاحها على روسيا كامتداد للدعم الذي كانت تقدمه موسكو للحركة الشعبية لتحرير أنغولا التي لا تزال الحزب الحاكم.
وفي مواجهة المنافسة الصينية، تتولى الولايات المتحدة مشروع السكك الحديدية الذي يربط جمهورية الكونغو الديموقراطية بميناء لوبيتو الأنغولي.
والظاهر، أن الغاية الأساسية للزيارة هي إظهار أن الولايات المتحدة مهتمة بتعزيز علاقاتها بدول القارة، وأن الانشغالات الأميركية بحربي أوكرانيا وغزة، لم تصرف انتباه البيت الأبيض عن مواصلة الاهتمام بأفريقيا ومتابعة ما تمخضت عنه القمة الأميركية – الأفريقية التي استضافتها واشنطن في كانون الأول (ديسمبر) 2022. وكان الرئيس الأنغولي جواو لورنسو من بين الحاضرين.
وتأتي الزيارة المرتقبة قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي لا تزال حظوظ المرشحين المتنافسين فيها متقاربة للغاية، إذ أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس متعادلة تقريباً مع منافسها الجمهوري دونالد ترامب، الذي لا تزال إشارته المهينة إلى الدول الأفريقية باعتبارها "دولاً قذرة" يتردد صداها في الدوائر الدبلوماسية الأفريقية.
وكان لافتاً، اعلان المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة السفيرة ليندا غرينفيلد الأسبوع الماضي أن واشنطن تدعم إنشاء مقعدين دائمين في مجلس الأمن للدول الأفريقية، ولم يفتها التذكير بأن بايدن يدعم هذه المساعي التي تعد جزءاً من "إرثه".
وفي تموز (يوليو) الماضي، أوردت مصادر إعلامية أن إدارة بايدن أعادت تنظيم قيادة البيت الأبيض ووزارة الدفاع في الفترة التي تسبق الانتخابات في تشرين الثاني، بما في ذلك فريقه الأفريقي الذي يعنى بشؤون القارة.
وكان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال سي. ك. براون، زار قبل أسابيع بوتسوانا للبحث في سبل الحفاظ على بعض الوجود الأميركي في غرب أفريقيا بعد قرار النيجر التخلي عن الجيش الأميركي لمصلحة الشراكة مع روسيا. ومعلوم أن الولايات المتحدة تنشر في النيجر نحو 1100 جندي يشاركون في القتال ضد جماعات مسلحة في البلاد ولديها قاعدة كبيرة للمُسيّرات في أغاديز.
وتأتي زيارة بايدن أنغولا، للتدليل على أن أميركا لن تدع بكين وموسكو تستأثران بالنفوذ في قارة تعتبر في غاية الأهمية لاقتصادات الغرب. وفي أفريقيا الوسطى، بما في ذلك شرق الكونغو الديموقراطية، المنطقة التي تشهد نزاعات منذ أكثر من 30 عاماً، تتسابق أميركا والصين على استغلال رواسب معدنية نادرة.
إن غنى القارة الأفريقية بالثروات الطبيعية، كان أحد الأسباب التي قادتها إلى الابتلاء بالحروب والنزاعات والتوترات القومية والعرقية والطائفية.
ومثلها مثل بقية أنحاء العالم، تترقب الدول الأفريقية بتوجس احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات تشرين الثاني.
وقد يكون اهتمام الإدارة الأميركية في حال فاز ترامب منصبّاً على الولايات المتحدة في المقام الأول ومن ثم على الصين، وتالياً قد يكون تعاملها مع الحكومات الأفريقية أقلّ تشدداً على صعيد الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان.
إن زيارة بايدن لأنغولا، ستندرج في الصراع الأوسع بين الغرب، من جهة، والصين وروسيا، من جهة ثانية، أكثر منه اهتماماً غربياً خالصاً بمساعدة القارة الأفريقية بحد ذاته.