أسعد عبود
أفصح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، عن التحذير الأوضح الذي تطلقه موسكو حول احتمال إدخال تعديلات على عقيدتها النووية، في ظلّ التوغّل الأوكراني في منطقة كورسك الحدودية، الذي يقترب من نهاية شهره الأول، وسط تصاعد الهجمات بالمسيّرات على مصافي النفط والبنى التحتية في العمق الروسي، وصولاً حتى العاصمة موسكو.
حتى الآن، تكتفي روسيا بالردّ على التوغّل الأوكراني بإطلاق وابل ذي طابع انتقامي بالصواريخ والمسيّرات على كييف ومدن أوكرانية أخرى من جهة، ومن جهة أخرى بالضغط على الجبهة الشرقية في دونيتسك لناحية مدينة بوكروفسك، التي تشكّل عقدة مواصلات استراتيجية للقوات الأوكرانية في المنطقة.
وفي مواجهة الضغط الروسي، يلحّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الطلب من الغرب بالسماح له باستخدام الصواريخ الغربية بعيدة المدى ضدّ أهداف في العمق الروسي، مثل المطارات ومواقع إطلاق الصواريخ والمسيّرات.
لكن الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، لا تزال تتهيّب اتخاذ مثل هذا القرار، خوفاً من ردّة الفعل الروسية. صحيح أن الغرب تدرّج في تزويد كييف بالأسلحة من الصواريخ المضادة للدبابات إلى صواريخ الباتريوت ومقاتلات "إف - 16"، فإن قراراً على مستوى إجازة قصف العمق الروسي بالصواريخ الغربية ربما تثير من الكرملين رداً غير متوقع.
في هذه الأثناء، جاء تصريح ريابكوف تحذيراً للغرب من مغبّة التمادي أكثر في التجاوب مع مطالب زيلينسكي. وقال ريابكوف بوضوح إن روسيا ستُدخل تعديلات على عقيدتها النووية، رداً على تصرّفات الغرب في شأن الصراع في أوكرانيا.
ومعلومٌ أن العقيدة النووية الروسية الحالية تنصّ، وفقاً لمرسوم أصدره الرئيس فلاديمير بوتين في عام 2020، على أن روسيا قد تستخدم أسلحة نووية في حالة تعرّضها لهجوم نووي معادٍ أو هجوم بأسلحة تقليدية يهدّد وجود الدولة.
وسبق لنائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف أن أطلق تهديدات عمومية، بأن روسيا قد تلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية، إذا شعرت بخطر يهدّد وجودها من قبل الغرب. بيد أن الظروف المحيطة بتصريح ريابكوف تجعله أكثر جدّية هذه المرّة، ويبعث بإشارة لا لبس فيها إلى الغرب.
ربما تعتبر روسيا نفسها، بعد التوغّل الأوكراني، أنها دولة مهدّدة في وجودها، ويصح الأمر على فقدانها المزيد من الموارد النفطية والبنى التحتية الأخرى وتعرّض عاصمتها للقصف، لما يترتب عليه من استنزاف للاقتصاد الروسي.
يقود هذا إلى سؤال كبير عن مستوى الضرر الذي يعتقد الكرملين أن بإمكانه احتماله، والضرر الذي يمكن أن يجعله يتصرف بطريقة غير تقليدية؟
نقطة هي غاية في الأهمية يتعيّن لفت النظر إليها. فالغرب قابل التوغل الأوكراني في روسيا بالحذر من دون أن يذهب إلى حدّ التشجيع عليه، ووجّه اللوم إلى بوتين لأنه أوصل الوضع إلى هذه الدرجة من التدهور بسبب الحرب التي شنّها على أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) 2022.
أما مماشاة زيلينسكي في موضوع السماح له باستخدام الصواريخ الغربية ضدّ العمق الروسي، فيتعيّن النظر إليها بالكثير من التأني وعدم التسرّع في قرار يحمل موسكو على ردّ غير تقليدي، قد يجرّ الغرب إلى ردّ مماثل، واندلاع حرب عالمية ثالثة تُستخدم فيها الأسلحة النووية.
لم يعد أي سيناريو من السيناريوهات الكارثية مستبعداً في ضوء الفوضى التي تستبدّ بالعالم في مرحلة الانتقال من هيمنة القطب الواحد إلى التعددية القطبية، ونقطة التحول هذه هي الأخطر منذ عقود.
عندما تتحول الحرب الروسية - الأوكرانية من حرب عنوانها التنازع على الأراضي إلى مرحلة الحرب الوجودية، ينبغي توقّع الأسوأ وعدم الركون إلى القرارات الارتجالية التي تنمّ عن جهل بالواقع والتاريخ.