أسعد عبود
من الممكن أن يكون خلع رئيسة الوزراء البنغالية الشيخة حسينة واجد من الحكم هو أسهل الفصول بالنسبة إلى الثورة التي قادت التحرّك ضدّها في الأسابيع الأخيرة، بينما بلسمة الجروح الداخلية الناجمة عن أكثر من 20 عاماً من الحكم الاستبدادي، قد تكون المهمّة الأكثر صعوبة أمام بنغلادش.
لا شكّ في أن وقوع الخيار على رجل الأعمال محمد يونس، الحائز جائزة نوبل للاقتصاد، لقيادة حكومة انتقالية، كان خياراً حكيماً في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى التقاط الأنفاس، مقدمةً للعودة إلى الحكم الديموقراطي الذي نسفته الشيخة حسينة.
تحدّيات بنغلادش ليست داخلية فحسب. هناك التموضع الإقليمي بين ثلاث قوى نووية: الصين والهند وباكستان. وبعدما كانت الشيخة حسينة قد أقامت علاقات مميزة وإستراتيجية مع الهند، خصوصاً في ظل عهد ناريندرا مودي، فإنها لم تقفل الباب في وجه الصين، وكانت تمضي في توثيق التجارة والتعاون في المجال العسكري الذي بلغ محطة مهمّة بإجراء مناورات مشتركة للمرّة الأولى في العام الماضي. وظلت داكا تلتزم الحذر حيال باكستان، الدولة التي ولدت من رحمها قيصرياً في عام 1971.
للثورة البنغالية التي قادها الطلاب أثر كبير في التنافس الجيوسياسي في عالم شديد الاستقطاب. وواشنطن ليست بعيدة من كل ما يجري في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، من زاوية التنافس الإستراتيجي مع الصين. وأول تعليق أميركي على خلع الشيخة حسينة كان أن المرأة "لم تكن تتمتع بحماية أميركا".
وبنغلادش، بعد خلع الشيخة حسينة وفرارها إلى نيودلهي، يمكن أن تذهب أكثر في اتجاه الصين، من دون التخلّي عن الهند بحكم الجوار الجغرافي والتعاون التاريخي للوصول إلى الاستقلال، بينما باكستان ستسعى إلى مدّ اليد للحكم الجديد، من قبيل مزاحمة نيودلهي على بلد استراتيجي، تمتد حدوده إلى ميانمار التي تبقى الصين متنفساً رئيسياً لها.
وسط هذا المناخ الدولي والإقليمي المحتدم، سيكون للخيار الخارجي لبنغلادش تأثير على الداخل حكماً، لأن داكا هي الحلقة الأضعف في هذا السباق الاستراتيجي الذي لا يرحم. ولن يكون في إمكان محمد يونس، على الرغم من التعاون الذي يلقاه من قادة الحراك الطلابي للحدّ من الفوضى التي تلت سقوط الحكومة السابقة، الانتقال إلى "بنغلادش الجديدة" التي وعد بها فور أدائه اليمين، إلّا بقيادة سياسة داكا الخارجية بمهارة توازي مهارته في عالم الأعمال.
وهذه مهمّة لا تتمّ بروح الانتقام من الأقلية الهندوسية التي سادت في الأيام الأخيرة، ربطاً بالدعم الذي كانت تتلقّاه الشيخة حسينة من نيودلهي، أو بسبب استقبال الهند لها.
والحكم الجديد الذي سينشأ من الانتخابات التي وعد بها يونس في أقرب فرصة، تقع عليه مسؤولية نسج التوازن في العلاقات بين بنغلادش وكلٍ من الهند والصين وباكستان. وأفضل الأدوار التي تعود بالفائدة على بنغلادش هي الاضطلاع بدور الوسيط بين التكتلات الاقتصادية في المنطقة، على غرار رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" ورابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي "سارك".
إن عودة الحكم الديموقراطي إلى بنغلادش من شأنه تعزيز الاستقرار الداخلي الذي يُعدّ شرطاً أساسياً للبناء الاقتصادي. وتستعد الأمم المتحدة لشطب بنغلادش من بين الدول المصنّفة "الأقل نمواً" في العالم، في ضوء التقدّم الذي تحقق بفضل ازدهار صناعة النسيج.
مؤكدٌ أن التموضع الإقليمي لبنغلادش بند رئيسي أمام الحكم الجديد، من دون إغفال محددات التاريخ والجغرافيا التي تبقى العامل الحاسم في تحديد الوجهة التي يتعيّن على هذا البلد أو ذاك سلوكها. وبنغلادش هي الآن تحت أنظار الدول المجاورة وحتى تلك الأبعد، وتحديداً الولايات المتحدة.