علي حمادة
واضح أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تفقد الأمل من إبقاء العلاقة مفتوحة مع "حزب الله". فالتسريبات التي خرجت يوم أمس إلى العلن من خلال صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تشير إلى مواصلة التفاوض السري وعبر الوسطاء الأميركيين بين "حزب الله" وإسرائيل بشأن عقد صفقة قريبة تنهي حرب الإسناد والمشاغلة والاستنزاف التي أشعلها "حزب الله" في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 ضد إسرائيل، وتعيد الهدوء إلى كل من جنوب لبنان وشمال إسرائيل، وذلك لمدة طويلة. بمعنى أن الحديث الذي يدور الآن بين واشنطن وتل أبيب و"حزب الله" يدور حول صفقة طويلة الأمد، يكون منطلقها هدنة غزة المؤقتة المرتقبة في المرحلة المقبلة، بحيث تفتح الطريق أمام الطرفين للخروج من مأزق التصعيد الذي لا طائل منه سوى أنه يزيد من مخاطر اشتعال حرب واسعة ومدمرة لا يريدها الإسرائيليون، ولا إيران الضنينة بمصير "حزب الله" أولاً وقبل أي فصيل إيراني آخر في المنطقة. ومن هنا لا بد من الإشارة إلى أن المعلومات التي يروج لها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، وتفيد بأن ثمة مفاوضات جارية بعيداً عن الأضواء، بعضها عبر القناة الفرنسية، وبعضها عبر القناة العمانية، هدفها حصر النار المشتعلة على الحدود بين لبنان وإسرائيل. وقد سبق أن أبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بمضمون عام للمفاوضات الجارية، فقام الأخير بتسريب مناخات تعكس إيجابية في ما يتعلق بموضوع الحرب القائمة التي يبدو أن مشكلتها الأساسية تكمن في أن طرفي المعادلة على الأرض عالقان فوق شجرة التصعيد والتصعيد المضاد. فبعدما كان الموقف الإسرائيلي يشير إلى أن المطلوب هو أن يتوقف "حزب الله" عن إطلاق النار على الشمال الإسرائيلي، تحول الموقف الى إصرار على تغيير المعادلة في الجنوب اللبناني برمته، أي أن ينسحب "حزب الله" من الجنوب حتى نهر الليطاني، وأن ينتشر الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" المعززة في منطقة القرار 1701. كما أن الإسرائيليين طرحوا أمام "حزب الله" خيارين: إما الحل الدبلوماسي أو الحرب. ومن المؤكد أن خيار الحرب الذي يتحدث عنه الإسرائيليون حقيقي، وليس مجرد تهويل، كون حرب الإسناد التي أطلقها "حزب الله" غداة عملية "طوفان الاقصى" تسببت بنزوح عشرات آلاف الإسرائيليين من الشمال، وبتضرر العديد من البنى التحتية المدنية والعسكرية الإسرائيلية، إلى حد اعتبار التهديد المتأتي من "حزب الله" في لبنان خطراً وجودياً لا يمكن تجاهله، أو التعامل معه بخفة كما حصل مع تهديد حركة "حماس" في غزة قبل 7 أكتوبر 2023. لكن الضغط الأميركي كبير على إسرائيل، وفي المقابل الضغط كبير على "حزب الله" جراء ضربات الجيش الإسرائيلي المؤلمة لجهازه العسكري وسقوط ما يقارب 365 مقاتلاً وقائداً ميدانياً في عمليات اغتيال دقيقة. وقد أحدث ذلك ارتباكاً كبيراً في صفوف الحزب المذكور، وسط حرص قياداته على إخفاء الأمر عن الرأي العام وبيئته الحاضنة. في كل الأحوال لم تيأس إدارة الرئيس جو بايدن من إمكانية اقناع "حزب الله" بجدوى وقف اطلاق النار نهائياً لحظة إعلان الهدنة في غزة، وخصوصاً أن الوسيط الأميركي سبق أن أوضح بشكل شبه علني أن مواصلة استهداف الشمال الإسرائيلي ستتسبب حكماً بنشوب الحرب التي لا يريدها أحد. لكن ثمة أسئلة مطروحة في ظل الفوضى السياسية في الولايات المتحدة والتي تسبب بها انسحاب الرئيس بايدن من السباق الرئاسي. كما أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالية لواشنطن ومخاطبته الكونغرس، واجتماعاته مع الرئيس بايدن وأركان الإدارة الأميركية الحالية سيكون له تأثير كبير في مسار الأحداث خلال الأسابيع القليلة المقبلة. ثمة من يعتبر أن شهر آب (أغسطس) المقبل هو شهر الحسم بالنسبة الى الجبهة اللبنانية. هناك سباق محموم بين المفاوضات السرية بين "حزب الله" وإسرائيل لتفادي الحرب، وبين الحرب المدمرة التي صارت على الطاولة!