تمتاز العلاقات بين المملكة واليمن بالعديد من الخصائص النادرة التي يندر أن يوجد لها مثيل في العالم كله، فهناك العديد من الروابط الكثيرة التي تجمع بين شعبي البلدين مثل الجوار التاريخي الذي يعود إلى سنين طويلة، إضافة إلى وشائج القربى والمصاهرة والدين الواحد واللغة العربية الأم والمصير المشترك. لذلك فهي علاقة تضرب بجذورها بقوة في العمق الجغرافي والتاريخي.
من هذه الرؤية الإستراتيجية تنطلق السعودية في تعاملها مع اليمن، لذلك فإنها عندما تقدّم عشرات المليارات وتمد أياديها البيضاء لأشقائها فهي تقوم بذلك لواجبها الأخوي والتزامها الأخلاقي ورغبتها في مساعدة أشقائها باعتبار أن ما يمر به اليمن تتأثر به المملكة بصورة مباشرة. لذلك لم تتردد السلطات السعودية في المسارعة بإمداد اليمن بالمشتقات النفطية، وإيداع مليارات الريالات لمساعدة العملة المحلية على الصمود والاحتفاظ بقيمتها. ولم تتخذ المساعدات السعودية لليمن شكلا تقليديا، بل عملت على توسيع دائرة الاستفادة وأن يعم نفعها أكبر شريحة ممكنة من اليمنيين، ذلك فإن معظم مواد الإغاثة التي توزّع على المحتاجين يتم توفيرها من الأسواق اليمنية لدعم وتنشيط حركة التجارة الداخلية، كما تتم عمليات النقل والترحيل والتعبئة والتغليف والتوزيع بأيادٍ يمنية للمساعدة في توفير المزيد من فرص العمل. ولم تقتصر النظرة السعودية على مجرد تقديم المساعدات الغذائية والطبية العاجلة، بل تشمل تطوير وتنمية الإنسان اليمني في المقام الأول، لذلك تم التركيز على دعم المؤسسات التعليمية، وترقية وتطوير المؤسسات والمرافق الصحية، وبناء وتعزيز قدرات المؤسسات الحكومية. ففي عام 2018 تم تأسيس البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن بناءً على أمر سامٍ كريمٍ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- حيث تم تحديد الإستراتيجية التنموية للبرنامج بواسطة نخبة من الكفاءات السعودية، وقد تمت مراعاة أن تتواءم هذه الإستراتيجية بصورة رئيسية مع الأهداف العالمية للتنمية المستدامة، وذلك باستصحاب التجارب الدولية السابقة في التنمية وإعادة الإعمار.
ومن أبرز المجالات التي يهتم بها البرنامج الذي يعمل بموجب اتفاقية تنموية شاملة بين حكومتي البلدين تقديم الدعم الاقتصادي والتنموي المستدام في مختلف المجالات، وتنفيذ المشاريع والبرامج التي تساهم في رفع مستوى الخدمات الأساسية، وتوفير فرص العمل، والسعي لتطوير البنية التحتية، وبناء المؤسسات الحكومية، ورفع قدرة الجانب اليمني على استيعاب القروض والمنح التنموية، وتطبيق أعلى معايير الحوكمة والشفافية. كذلك فإن البرنامج ولتعظيم الفائدة منه حتى تشمل جميع اليمنيين، يعمل في عدة قطاعات تنموية حيوية تغطي جميع المحافظات اليمنية، وهي الصحة، والتعليم، والنقل، والطاقة، والمياه، والزراعة والثروة السمكية، والمؤسسات الحكومية، وذلك وفق أعلى المعايير لتنفيذ المشاريع والبرامج التنموية بجودة وفاعلية وذلك بعد دراسة الاحتياجات على أرض الواقع، ورفع التقارير الخاصة بسير وإنجاز الأعمال، وتوضيح التحديات، والاستفادة من الإيجابيات ودراسة أثر المشاريع والبرامج والأنشطة والمبادرات على الأشقاء اليمنيين. من أبرز القطاعات التي يعمل عليها البرنامج يبرز القطاع الصحي، حيث يسعى لمعالجة الآثار السالبة التي حدثت للمواطنين اليمنيين جراء ما اقترفته الميليشيات الانقلابية التي لم يسلم منها الإنسان ولا الحيوان ولا حتى النبات والبيئة.
في هذا الإطار تم خلال الفترة الماضية افتتاح مشروع إعادة تأهيل مستشفى الجوف العام، بعد أن عمل البرنامج على ترميمه وتجهيزه بالمعدات الطبية، ورفع طاقته الاستيعابية، ليتضمن سبع عيادات وقسمين للطوارئ والتنويم. كما تم توفير حوالي 300 جهاز وأداة طبية، ليخدم 12 مديرية، ويستقبل 18 ألف حالة شهريًا، ويستفيد منه حوالي 600 ألف يمني.
كما توجد أيضًا مدينة الملك سلمان الطبية والتعليمية في محافظة المهرة، التي تضم مستشفى تبلغ سعته 300 سرير. هذا إلى جانب ترميم وتوسعة مستشفى الغيضة العام، وكذلك مستشفى المهرة بسعة 200 سرير في مرحلته الأولى، مع كافة الخدمات والتجهيزات الضرورية اللازمة. كما عمل البرنامج على تنفيذ مشروع إعادة تأهيل مطار الغيضة، وصيانة ميناء وتوسعة وتأهيل مرافق مياه الشرب، وتمديد الأنابيب وبناء خزانات رفع وتزويد المياه، وإنشاء محطة كهرباء المهرة. وقد لفت نظري في وقت سابق تصريح سفير خادم الحرمين الشريفين لدى صنعاء المشرف على البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، محمد بن سعيد آل جابر، الذي أكد سعي المملكة لدعم الشعب اليمني بمشروعات فاعلة تحقق المأمول وتلامس احتياجاته، وهو ما يشير إلى أن ذلك البرنامج الطموح لا يعنى فقط بمجرد إنشاء مشاريع تنموية تحقّق مكاسب مادية، بل إنه يستهدف الإنسان اليمني في المقام الأول، وإعادة الأمل إليه ومساعدته على التخلص من الآثار النفسية التي ترتبت عليه بسبب العدوان الذي مارسته بحقه الميليشيات الحوثية.
حتما سيتخلص يمن العروبة يوما ما من هذا الكابوس الذي يجثم على صدره، ويتغلب على الذين يحيكون ضده مؤامرة رهيبة لإلحاقه بمحاور شريرة لا تريد لشعبه إلا الغرق في مستنقع الفوضى والدمار، وقد وجد هؤلاء ضالتهم في الميليشيات الإرهابية التي لا تتمتع بأي قبول ولا تحظى بالتأييد ولا تستند إلى إرث سياسي أو اجتماعي، إنما هي عبارة عن فلول متمردة خارجة على القانون، ولا سبيل للخلاص منها إلا عبر اتحاد كلمة اليمنيين.
وحتى يأتي ذلك اليوم، فإن المملكة سوف تواصل مد يدها بالخير لكل أبناء الشعب اليمني الشقيق، دون تفرقة على أي أسس طائفية أو مذهبية أو مناطقية، فقد وصلت مواد الإغاثة حتى لمناطق الذين تطاولوا عليها وأطلقوا صواريخهم وطائراتهم المسيّرة على أراضيها، وذلك لأنها تتعامل بمنطق الكبار الذين يربؤون بأنفسهم عن المهاترات والمكائد والأساليب الرخيصة.