وبعد بحث بسيط قمت به، وقعت عيني على بند يحمل رقم 15، ضمن الشروط والملاحظات العامة للراغبين بالتقدم لوظيفة مدرس أو مدرسة في الكويت من الفلسطينيين للعام الدراسي 2023 ــ 2024.
ينص بند ١٥، الذي جاء في الإعلان، الذي نشر عام 2022 قبيل تعاقد وزارة التربية مع 400 معلم ومعلمة من فلسطين، في تخصصات علمية مختلفة، على أنه «يجوز للمعلمين إحضار زوجاتهم وأبنائهم بعد مباشرتهم العمل وعلى حسابهم الخاص».
أنا هنا لن أتحدث عن تخصصاتهم المهمة، ولا عن سنوات خبراتهم الثرية، ولا عن رواتبهم المتدنية، ولكنني سأركز على الجانب الإنساني، وعلى أطفالهم الذين تركوهم في غزة. هؤلاء المدرسون والمدرسات تركوا أبناءهم طلباً للرزق، والحصول على ما يعينهم على حياتهم الصعبة هناك، وقدموا للكويت، وتركوا أطفالهم هناك، إما عند أقرب الأهل، أو لوحدهم.
وقد كتب الله على هؤلاء المدرسين، بعد بدء أحداث غزة، أن يعيشوا أوضاعاً نفسية ومعنوية صعبة جداً، وهم يتابعون ما يحدث من مآسٍ ومشاهد تموت وتحترق تحتها الإنسانية بشكل كامل.
إن مشاهد الموت والقصف والنزوح والتشرد والفقر والضياع والجوع تُدمي قلوبنا، خاصة عندما يتعلق الأمر بأطفال قتلى أو مردومين تحت أنقاض بيوتهم، أو نازحين يلفهم الفقر والعوز والجوع والعطش.
طفلة تجمع الورق والخشب تطبخ لأخوتها الصغار، وأخرى تبيع ما تجمعه من القمامة لعلها تحصل على بسيط المال وقليله، لتشتري به ما يمكن أن يسد جوعها وجوع أخوتها، وطفل ينظر إلى الكاميرا بعين الانكسار والخوف والحاجة، وقد أخفت الدموع وراءها يتماً وذلاً وخوفاً وتمنيات بالموت، واللحاق بمن سبقه من الأطفال، وآخر يمشي حافياً تائهاً، لا يعرف إلى أين المسار ولمن.
مشاهد وصور أحاول كثيراً أن أتجنّب متابعتها لقساوتها، ولكننا لا نملك إلا أن نذرف الدمع والبحث عن سبيل لتقديم العون والمساعدة.
نصرة المستضعفين في غزة واجب علينا جميعاً، فما بالك بأطفال تحمل لنا أفلام الفيديو والصور، التي تصلنا مآسي أطفالها ونسائها وأهلها، من أرض احترقت بالكامل وطمست معالمها، وترك أهلها تحت قصف القنابل والتوهان والتشرد والضياع.
أعرف أن هناك مناشدات كانت مستمرة منذ بداية أحداث غزة، وما زالت، لإنقاذ الأطفال، أبناء المعلمات والمعلمين ولم شملهم معهم في الكويت.
اليوم تقلّص عدد هؤلاء الأطفال، ويتقلّص يوماً بعد يوم، كلما تأخرت عودتهم لأحضان ذويهم، إما لأنهم سحقوا تحت الأنقاض، أو لأنهم كُفِنوا بأكفان مهلهة أو بأكياس النايلون، أو لأنهم ما زالوا يُنقَلون من مستشفى إلى آخر يقصف يوماً بعد يوم، أو أنهم ما زالو أحياء بائسين تائهين، يجوبون الشوارع يجمعون الورق والشجر، ليشعلوا ناراً يطبخون بها قليل لقمتهم، أو يبيعون فتات خبز يابس من أجل مال رخيص يشترون به لقمة تعينهم على البقاء ليوم بائس آخر.
مشاهد تستفزنا نحن من نعيش بعيداً عنها، فنحن لا نملك إلا إطلاق الآهات والدعاء إلى الله أن يمحو إسرائيل ويعين الفلسطينيين، وانه لا حول لنا ولا قوة.
في هذه الحالة وهذه الظروف، اسمحوا لي بأن أقول هناك حول وهناك قوة يا وزارة التربية، ومن بيده اتخاذ القرار في هذه المأساة الإنسانية. بيدكم ان تلتزموا بشروطكم، وبما وقّع عليه هؤلاء الأمهات والآباء من المعلمين.
أمهات غزاويات حضرن إلى الكويت بعقود رسمية، تتيح لهن إحضار أبنائهن «التحاق بعائل» بعد مباشرة العمل على حسابهن الخاص، ولكنهن اليوم عاجزات عن ذلك.
لماذا؟
أتمنى أنا، وكل من تنبض في عروقه مشاعر الإنسانية، إعادة النظر في وضع هذه الفئة من المدرسات والمدرسين، بسبب ظروف الإبادة الوحشية التي يمارسها الصهاينة في غزة بحق أطفالهم هناك.
هناك جهات عديدة أعلنت استعدادها لتحمّل مسؤولية هؤلاء الأطفال، وأي أعباء مالية لتعليمهم وعيشهم، جهات من القطاع الخاص، وجمعيات نفع عام، وشخصيات كويتية وفلسطينية، بانتظار عودة الاطفال لأحضان أمهاتهم وإنقاذهم، قبل ان يرتفع عدد القتلى والضحايا من اطفال غزة.
نرسل الخيام لتؤوي اطفال غزة، وأحضان أمهاتهم تنتظرهم في الكويت.
إقبال الأحمد