قبل عام من الآن كان إضراب كُتّاب السينما والتلفزيون في «هوليوود» حديث الساعة، حين أضرب أكثر من 9000 كاتب للمطالبة بأجور أعلى؛ حيث يحرم الكتّاب من نصيبهم من مسلسلاتهم الناجحة التي تعرض على منصات البث. الباعث الأكبر على ذلك الإضراب ازدياد المخاوف من تأثير الذكاء الاصطناعي في عملية الكتابة، وانخراط شركات الإنتاج في تغذية أجهزة هذا الذكاء بما كتبه كتّاب السيناريو دون نيلهم أي حقوق، حيث يسرق الذكاء الاصطناعي أفكارهم، دون أن تنسب إليهم، ودون أن يتقاضوا نظير ذلك مكافآت مالية مستحقّة.
ما كان باعثاً على إضراب كتّاب السيناريو في «هوليوود» طرح على بساط البحث تأثير الذكاء الاصطناعي على الإبداع، وهو أمر تناولته دراسة حول دور هذا الذكاء في الكتابة، من زاوية بحث «مدى قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على مساعدة البشر على الإبداع»، كما أوضح الباحثان اللذان قاما بالدراسة، أحدهما من جامعة «يونيفرسيتي كوليدج» في لندن، والآخر من جامعة «إكستر»، وهما استعانا بنحو 300 متطوع لم يكونوا كتّاباً محترفين، ليقوموا بدور «مؤلفين»، فقسموهم إلى ثلاث مجموعات بشكل عشوائي لكتابة قصة من ثماني جمل حول واحد من ثلاثة مواضيع: مغامرة في أعالي البحار، مغامرة في الغابة، مغامرة على كوكب آخر، ثم وُزّعوا ثانيةً، وبشكل عشوائي أيضاً، إلى ثلاث مجموعات تلقّت مستويات مساعدة مختلفة من الذكاء الاصطناعي.
حسب العرض المنشور على موقع «دي. دبليو» لنتائج الدراسة، فإن المجموعة الأولى لم تتلقَّ أي مساعدة، بينما حصلت المجموعة الثانية على فكرة قصّة من ثلاث جمل باستخدام أداة «تشات جي بي تي»، وتلقت المجموعة الثالثة ما يصل إلى خمس أفكار أنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي لقصّة. وبعد انتهاء المشاركين من كتابة قصصهم كان عليهم قياس مدى الابتكار فيها، باستخدام معايير عدة، وتولّت مجموعة مكونة من 600 شخص مهمّة تقييم القصص باستخدام المعايير نفسها.
تبيّن لمعدَّي الدراسة أن الذكاء الاصطناعي أدى في المتوسط إلى تحسين الإبداع الفردي للمؤلف بنسبة تصل إلى 10 في المئة، وإلى تعزيز الاستمتاع بالقصة بنسبة 22 في المئة، وخصوصاً في ما يتعلق بعناصر مثل بنية القصة أو تقلباتها، وكانت هذه التأثيرات أكبر بالنسبة لأولئك الذين اعتبروا الأقل إبداعاً.
على المستوى الجماعي، فإن القصص المكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي أكثر تشابهاً بعضها مع بعض مقارنة بتلك المكتوبة من دون الذكاء الاصطناعي، لأنّ مؤلفيها انغمسوا كثيراً في الأفكار المقترحة، ما يعني أنه قد تنجم عن «الذكاء الاصطناعي» نمطية في المنتج الإبداعي، حين تغيب فردية الكاتب ويطغى ما يقترحه الذكاء الاصطناعي، ومع الوقت تتناقص أهمية الموهبة وامتلاك الأدوات لصالح ما هو «مصطنع».