: آخر تحديث

التّحديات تواجه دونالد ترامب وليس فقط جو بايدن

21
18
19

محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب هذا الأسبوع أضافت ضرورة أكبر للتعقل لكل من الديمقراطيين والجمهوريين. علينا أن نراقب ما إذا كان هذا التطور سيصبح نقطة تحول محورية في السباق الرئاسي المتوتر الذي يجلب لأمريكا هستيريا خطيرة.

ستنصبّ الأنظار الأسبوع المقبل على أداء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبل مؤتمر الحزب الجمهوري وأثناءه، بقدر الانبهار بما سيقرره الرئيس الحالي جو بايدن لجهة تمسكه بأن يبقى مرشح الحزب الديموقراطي للرئاسة أو تنحيه. الرجلان في الاختبار الأصعب لكليهما، لأن كيفية تعاطي دونالد ترامب مع ما يمر به جو بايدن ستكون لها تداعيات على مصير الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني (نوفمبر). كما أن لقرار جو بايدن بالإصرار على ترشيحه أو احتمال تنحيه شهادة مهمة على شخصية الرجل الذي سيكون تحت المجهر كل لحظة من الآن فصاعداً. فنحن على وشك مشاهدة فيلم طويل مثير بغموضه ومفاجآته ومدهش لعالم يتشوّق لكل تفصيل من الانتخابات الرئاسية الأميركية، لأن انعكاساتها ليست محلية حصراً بل تمتد من العلاقات مع روسيا والصين ودول حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى منطقة الشرق الأوسط والخليج، من حرب أوكرانيا وغزة الساخنة إلى الحرب الباردة الجديدة بنوعيتها بين الغرب والشرق.
 
قبل الخوض في المعارض بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي وشخصية كل من جو بايدن ودونالد ترامب، لنتوقف عند قمة حلف الناتو في واشنطن والتي قد لا يهتم بها الناخب الأميركي بسبب تعقيداتها، بخاصة أن الجميع كان يراقب أداء بايدن في المؤتمر الصحافي في نهاية القمة.
 
الرئيس بايدن يعتبر تطوّر الناتو إلى حلف قوي، واثق بنفسه، يجرؤ على تحدي روسيا، يدعم أوكرانيا بالأسلحة المتطورة، يتوسّع في الشرق الأوسط حيث سيكون له مكتب في الأردن وفي آسيا حيث سيكون في اليابان، قصة نجاح لرئاسته ونقلة نوعية تاريخية له شخصياً. 
 
الأسبوع الماضي، وفيما انشغل الناس بهفوات بايدن واحتمال تنحيه، كان حلف شمال الأطلسي يتخذ قرارات دولية فائقة الأهمية. فالناتو سيوسّع وجوده الاستراتيجي في مختلف بقاع العالم. وهو حشد الدعم الضخم لأوكرانيا بما في ذلك إمدادها بطائرات F-16، وموافقة ألمانيا على وجود صواريخ على أراضيها، وهو يقترب من السماح لأوكرانيا باستخدام هذه الأسلحة لضرب العمق الروسي وليس فقط على الحدود.
 
الناتو كان واضحاً في قمة واشنطن نحو روسيا والصين، وهو صنّف روسيا العدو الأول وصنّف الصين بنصف درجة أقل عداءً، وذلك بسبب اتهامها بالتعاون العسكري مع روسيا في حرب أوكرانيا. اتخذت دول الناتو قرار المثابرة والمواجهة عند الضرورة مع زيادة الضغوط العسكرية والسياسية على الدول المتعاونة مع الصين وروسيا.
 
قمة الناتو شكّلت ذخيرة سياسية واستراتيجية مهمة للرئيس بايدن سيستخدمها بالتأكيد لاحقاً عند عرض رؤية الحزب الديموقراطي لأميركا ومستقبلها ودورها الرائد في العالم.
 
فريق بايدن يعمل ليلاً نهاراً على تحقيق إنجاز يعتبره محورياً في سجلّ الرئيس بايدن السياسي كما في الحسابات الانتخابية. إنه يصحّح بعض أخطائه، وهو بات أكثر حزماً ووضوحاً بأن حرب غزة يجب أن تتوقف، حتى ولو كان لفترة. يستثمر فريق بايدن على أعلى مستوياته - بمن فيها مدير الاستخبارات وليام بيرنز إلى المسؤول الأول عن ملف الخليج والشرق الأوسط بريت ماكغورك - في الإصرار على إنجاح المفاوضات بحلول الأسبوع المقبل، وهما باتا أكثر حزماً مع جميع المعنيين وجميع الوسطاء واللاعبين. فهذا نجاح ضروري للرئيس جو بايدن في هذه اللحظة بالذات، وفريق بايدن أصبح أقل ليونة وصبراً.
 
الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أتت بنتائج تحمل في طياتها الرغبة الإيرانية باستمرار الحزب الديموقراطي في البيت الأبيض. وفريق بايدن أفهم الإيرانيين أن الطريق إلى ذلك هو أن يحقق الرئيس بايدن إنجاز وقف النار في غزة حيث للحرس الثوري الإيراني القدرة على حمل حركة "حماس" على أن توافق على التوصل إلى الاتفاق المنشود، وبسرعة. تلك كانت رسالة عاجلة بين طياتها معادلات سياسية مهمة لإيران.
 
الرئيس السابق دونالد ترامب أبعد ما يكون عن ملفات السياسة الخارجية الأميركية، باستثناء السياسات الأميركية الثابتة لكل من الجمهوريين والديموقراطيين والولاء للحليف الإسرائيلي، لا سيما في موسم الانتخابات. اهتماماته الرئيسية محلية، من الهجرة إلى الاقتصاد، إلى الانقسام العميق في داخل المجتمع الأميركي.
 
سيقع دونالد ترامب في امتحان صعب مع بدء مؤتمر الحزب الجمهوري يوم الاثنين 15 تموز (يوليو). بطبيعته، وكما يفعل منذ فترة، اختار أسلوب السخرية بجو بايدن لحشد الشعبوية الساذجة وراءه. بغض النظر إن كان ما يعانيه جو بايدن هو الشيخوخة أو أعراض مرض تحدّ من قدراته العقلية، إن السخرية استراتيجية سخيفة تفتقد حس الاحترام للتقدم في السن وتفتقد أيضاً الحس الإنساني. فكلنا لنا أحباء يعانون الأمراض والشيخوخة، لكن ذلك لا ينفي ولا يمحو كرامتهم. ولقد حان لدونالد ترامب أن يقدّر كرامة جو بايدن مهما اختلف معه سياسياً ومهما احتدّت المعركة على البيت الأبيض. وليتوقف عن السخرية لأنها بالتأكيد سترتد عليه عاجلاً أو آجلاً.

جو بايدن سيحتاج أيضاً إلى إظهار قدر أقل من الاحتقار لخصمه، وهو ما يظهره كشرير وانتقامي. عليه أن يكون حذراً بشأن ذلك خصوصاً بعد محاولة اغتيال ترامب.
 
مشكلة من مشكلات دونالد ترامب هي أنه يؤمن بتفوّقه الشخصي بنرجسية هي بدورها قد تصنَّف مرضاً ما لم يتم احتواؤها. إنه انعزالي فكرياً وعنجهي في معدنه بأبعد من مجرد الغرور. لا يؤمن بالتشاور المعمّق مع فريق أو أجهزة لأنه رجل يتخذ قراره قبل المشورة ومن سماته أنه اعتباطي. كل هذا لا ينفي حدّة ذكائه وقدراته الخارقة التي أوصلته إلى الرئاسة الأميركية وقد تعيده إليها. سرّه ليس فقط بأنه يفهم فن عقد الصفقات بل لأنه رؤيوي أحياناً ضد التيار وناجح في إبرام التفاهمات وإيضاح عواقب العداءات بلا خوف أو تردد.
 
لعل أحد الأسباب وراء تجنّب ترامب التقدم بالتزامات مسبقة ووعود ثابتة هو أنه يكره كل ما يقيّد يديه ويكبّل حرية اتخاذ القرار الذي يريد عندما يريد.
 
ما ينصحه به أركان الحزب الجمهوري والدائرة الضيقة المحيطة به هو أن يقتنص فرصة انعقاد مؤتمر الحزب هذا الأسبوع ليقدم نفسه بحلّة تتماشى مع التحديات والفرص التي يقدمها التخبط داخل الحزب الديموقراطي.
 
أمام دونالد ترامب هذا الأسبوع فرصة الانتقال من شخصية الصراخ بالشعارات إلى شخصية رجل هادئ برؤيوية. من المفيد له أن يتقدم ببرامج واضحة يفهمها الناخب الأميركي ويؤثّر في قطاع الناخبين المترددين بدعمه بسبب ضياع بوصلته في هتافات الشعبوية. مهما حدث في الحزب الديموقراطي، إن أصر جو بايدن أو تنحى، أن هذه فرصة لدونالد ترامب كي يطل من مؤتمر الحزب الجمهوري بشخصية مختلفة بعيدة عن السخرية وببرنامج يقنع الأميركيين بصوابه.
 
بالطبع، ولاحقاً، ستحتد الحملات الانتخابية المعروفة بعنفها وليس بعنفوانها، والتي ترتكز على التهجم الشخصي والسياسي وحتى على قذارة باتت مقبولة أميركياً. هذا للأشهر الأربعة المقبلة. أما هذا الأسبوع، فإنه أسبوع الفرصة المميزة لدونالد ترامب. إنه أيضاً أسبوع الاطّلاع المميز على جو بايدن وقيادات الحزب الديموقراطي وفي مقدمتها الرئيس السابق باراك أوباما.
 
الرهانات والافتراضات والنظريات عديدة. جمهورياً، ستتوجه الأنظار إلى مَن سيختار دونالد ترامب نائباً للرئيس، وفي هذا الإطار يزداد الحديث عن السناتور من ولاية فلوريدا ماركو روبيو، لكن هذا سر لعل ترامب وحده يعرفه، لا سيما أنه يعمل على تكوين فريق متكامل يرافقه من المؤتمر إلى البيت الأبيض.
 
ديموقراطياً، تزداد حظوظ نائبة الرئيس كامالا هاريس، سواء استمر جو بايدن بترشيحه أو قرر التنحي. ولقد بدأنا الاطلاع على التسويق الجديد لها على أيدي الماكينة الديموقراطية، إذ بدأت تبدو امرأة قوية، فيما كانت بالأمس القريب شبه صورة بلا هوية. كامالا هاريس وفيّة لجو بايدن وهي تبدو امتداداً له في معادلة الاستقرار.
 
أحد الأصدقاء المخضرمين في قراءة المشهد الأميركي، وهو من الذين يراهنون على أن بايدن لن يتنحى، اختصر مشهد اليوم على النحو التالي: إن قيادة الحزب الديموقراطي ستتمسك بالرئيس بايدن لأنه يمثّل الاستقرار، وهو رجل بطبعه مستقر، لا يغامر. في المقابل، دونالد ترامب رجل لا يمكن التنبؤ به أو توقع تصرفاته، فهو مزاجي غير قابل للتخمين.
 
لا شيء يوحي بأن الرئيس جو بايدن قد يقرر الاستقالة من منصبه اليوم وهو رئيس كما يقول البعض. لا مؤشر إلى ذلك. أما إذا حدث فإن كامالا هاريس ستقوم بمهمات الرئاسة بالوكالة فيما تقرر ماكينة الحزب الديموقراطي استراتيجيتها الانتخابية. قد تكون كامالا هاريس أفضل الخيارات نظراً، أقله، إلى قصر الوقت، وكذلك لكونها امرأة "درست" في مدرسة البيت الأبيض لأربع سنوات. وقد يكون حاكم كاليفورنيا غافن نيوسوم المرشح المفضل.

التشتت داخل الحزب الديمقراطي قد يشكل فرصة فريدة للحزب الجمهوري في هذه الانتخابات. هذا يتطلب استراتيجية مختلفة ولغة جديدة تقدر تاريخ الذين خدموا في رئاسة الولايات المتحدة دون مبالغة، سواء في الثناء غير المستحق أو في السخرية من العجز أو الشيخوخة التي في النهاية لا تقلل إلا من الساخر، أو في محاولات الاغتيال التي تسخر من الديمقراطية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد