: آخر تحديث

الخيال أهم من المعرفة

11
9
10

تعرض الخيال والتخيل لنوع من سوء الفهم، بل إن صورته لدى الكثير مشوهة، حيث نجد دلالات وشواهد على مثل هذا الفهم الخاطئ في كثير من المصادر العلمية والأقوال المأثورة والتراث بصفة عامة، فهناك من يعتبر الخيال مرضاً وانفصاماً عن الواقع، وهناك من يجد الخيال بمثابة السراب. ويوجد من يقول إن الخيال ضد الواقع الذي نعيش فيه ونلمسه ونشعر به، بينما الخيال لا ممسك له ولا حقيقة فيه، فهو دون لون ولا شكل أو هيكل.

هناك الكثير من المقولات والمصادر التي تحذر من الانكباب على الخيال أو منحه فرصة للتجول في العقل، رغم كل هذا الإرث الكبير في التجديف ضد الخيال والتخيل، إلا أن واقع الإنسان يقول بأن العملية التخيلية مهمة جداً، وإن كل إبداع يبدأ من الخيال، بل لو لم نكن نتخيل ونحلم ونتوهم لما أدركنا كل هذه المنجزات ولم يكن الإنسان قادراً على تحقيق كل هذه المخترعات والمبتكرات، فلقد كان الخيال هو الركيزة الأولى، فنظرات الإنسان البدائية نحو السماء ونحو النجوم والقمر، وتخيله بأنه يطير كالعصافير، ثم تحول هذا الخيال لعملية على أرض الواقع، ثم انتقال هذا الخيال من الورق والدراسة والعلم إلى الواقع كتجارب وممارسة، وصولاً لما نشاهده اليوم من ثورة حقيقية في عالم الطيران، والحال نفسه ستجده في كل مفصل من مفاصل التطور البشري وفي كل حقل علمي حدث فيه اختراق ومبتكرات، ستجد أن لبنتها الأولى كانت الخيال، بل الدافع نحوها كان الخيال.

لعل خير دليل على مرافقة الخيال للإنسان أو كونه جزءاً رئيسياً من تكوين الإنسان، ما يعيشه الطفل، حيث رصد علماء نفس وجود رفيق خيالي عند البعض من الأطفال، لفترة من العمر، تجد الطفل يتحدث مع هذا الرفيق ويناقشه، وهناك دراسات كثيرة حول هذا المعنى، يعطي مؤشراً أن الخيال جزء من الطفولة، من خلاله يلجأ إليه الطفل لتفسير ما لا يفهمه من الحياة الواقعية، وما لا يعرفه مما يحيط به، فيجد في الخيال تفسيرات ومعاني، تزوّد عقله بما ينقصه من معرفة وعلم، ونشاهد أن الطفل يمنح أسماء للحيوانات التي يحبها والألعاب التي يلعب بها، وكأنها من المقربين منه ومن أصدقائه.

وقد قامت باحثة ومتخصصة في هذا المجال اسمها مارجوري تايلور، بنشر كتاب في عام 1999 تحت عنوان: الرفقاء الخياليون والأطفال الذين يخلقونهم. تحدثت خلاله عن نماذج هذه الحالة ومرافقتها لذهنية الطفل في استحضار الخيال ليكون جزءاً من الواقع، وأن الناس والحيوانات هم مادة الخيال الرئيسية عند الأطفال.

ولا ننسى قصة الإذاعي الشهير روبرت سيلفي، الذي كان يعمل كرئيس لقسم البحوث في الإذاعة البريطانية، وعندما تقاعد قام بنشر مقالة تحت عنوان: «العالم المتخيل»، تحدث خلاله عن العالم الذي شكله ولونه وصنعه في خياله عندما كان طفلاً، وقد توالت عليه القصص من القراء الذين صنعوا عوالم من الخيال في طفولتهم، مما جعله يقوم بدراسات علمية وبحثية وصل عددها 64 دراسة عن عالم الخيال.

ويمكننا أن ندرك هذا المعنى عندما نعود نحو الماضي ونتذكر كيف كنا ننظر وكيف كنا نفكر تجاه البعض من الحقائق وكيف كنا نفسرها ونضحك من تلك التفسيرات.

يقول العالم الشهير إلبرت إنشتاين: «الخيال أهم من المعرفة»، فالكثير من المنجزات والمبتكرات الإنسانية ما جاءت إلا بواسطة الخيال، ثم تحولت لواقع، لذا من الأهمية أن نتخيل ولكن دون انفصال عن الواقع وعن حياتنا وما تتطلبه من سعي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.