قبل أربعة أو خمسة أعوام، كتبتُ في هذه الزاوية عن «كتابٍ عاد إلى داره»، حين أعاد رجل في هولندا كتاباً كان استعاره من مكتبة عامة قبل نحو أربعين عاماً. ولم يعده كل هذه السنوات، لا إهمالاً ولا نسياناً، وإنما بسابق الإصرار والتعمد، حين أعجبه محتواه، فقرر أن يستحوذ عليه، ويبدو أنّ شعوراً بتأنيب الضمير حمل الرجل على مخالفة مقولة: «غبي من يعير كتاباً، والأغبى منه من يعيد كتاباً استعاره»، والعودة عن قراره بالاستحواذ على الكتاب، فقام بإرجاعه للمكتبة، ليتحوّل ذلك إلى حدث استحق منها أن تحتفي به، حيث نشرت عبر حسابها على «تويتر»، يومها، تغريدةً تحمل صورة بتاريخ استعارة الكتاب في الخامس من شهر مارس/آذار عام 1981، ما أثار دهشة العاملين في المكتبة، في حين قالت المكتبة نفسها: «يبدو أنّ التخلي عن الكتاب كان بالنسبة للرجل أمراً صعباً للغاية».
الكتاب الذي استعادته المكتبة الهولندية هو رواية بعنوان «العودة إلى أويغستغيست» للكاتب الهولندي جان ولكرز، قيل إنها تتناول التنشئة المسيحية الصارمة للمؤلف، ولشدة تشويق الرواية، على ما يبدو، فقد تمّ تحويلها إلى فيلم للمخرج ثيو فان جوخ في عام 1987.
ها نحن اليوم أمام خبر مشابه، حيث أعيدت رواية كلاسيكية إلى مكتبة كولورادو في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بعد أكثر من 100 عام على استعارتها، وكشفت المكتبة مؤخراً أنه تمّ تسليم رواية «Ivanhoe» للمؤلف والتر سكوت بعد 105 أعوام من اليوم الذي تمت فيه استعارتها، حيث كان من المفترض أن تعود في 13 فبراير/شباط 1919.
ولأن الأمر تجاوز قرناً من الزمن، فطبيعي أنه ليس من استعارها هو من أعادها، لأنه رحل عن الدنيا قبل سنوات طويلة بالتأكيد. المكتبة قالت في بيان صحفي إنّ امرأة مجهولة أعادت الكتاب في وقت سابق من هذا العام بعد أن عثر عليه شقيقها أثناء تفتيش متعلقات والدتها في كانساس، وليس واضحاً ما إذا كانت الأم المتوفاة هي نفسها من استعار الرواية، أم تراها وجدت طريقها، مصادفة، إلى متعلقاتها.
في العادة، المكتبات العامة تفرض غرامات على من يتأخر في إعادة كتب استعارها منها، ولأن الواقعة حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن التقرير الذي أورد نبأ استعادة الرواية الغائبة عن المكتبة، يذكّر بأنه خلال إدارة الرئيس الأمريكي ال23، وودرو ويلسون، كانت غرامة الكتب المتأخرة سنتين عن كل يوم. وقالت المكتبة: «استناداً إلى غرامة قدرها سنتان في اليوم، تبلغ هذه الغرامة حوالي 760 دولاراً. وبعد تعديلها ليتناسب مع التضخم، يصبح المبلغ حوالي 14000 دولار الآن!».