: آخر تحديث

رمضان منصة التغيير وفن صناعة القرارات

5
6
5

يمكن الجدال بأن شهر رمضان من أكثر المحطات الزمنية وأهم المنصات السنوية في صناعة وإحداث التغيير في حياة الفرد والمجتمع. كثيرون تتغير أوقاتهم وجداولهم اليومية في شهر رمضان بما ينعكس على مواعيد النوم وكمية ونوعية نومهم، وهو ما ينعكس على مواعيد أعمالهم وكمية ونوعية إنتاجيتهم. كما أن كثيرين آخرين يتغير غذاؤهم وسلوكهم الغذائي مع ما يعنيه ذلك من تأثر كمية ونوعية غذائهم. آخرون يتغير سلوكهم الاتصالي كماً ونوعاً في شهر رمضان، وهو ما يؤثر بالتالي على علاقاتهم الاجتماعية وحجم ارتباطهم بوسائل التواصل الاجتماعي وامتداداتها التلفزيونية.

هذه المتغيرات كبيرة بذاتها وكثيرة بتأثيراتها وانعكاساتها وارتداداتها على الفرد والأسرة والمجتمع، ما يرفع وتيرة المنافسة على منصة التغيير هذه. فالتجار والإعلام والتربويون والمصلحون والأسرة كلهم على اختلاف مواقعهم يحاولون أن يستثمروا هذه التغييرات والمتغيرات التي يمر بها الفرد خلال هذا الشهر ليبيعوا منتجاتهم وخدماتهم الاستهلاكية والصحية والتوعوية والترفيهية من جاءت فكرة «الموسم»، أي جعل شهر رمضان لموسم سنوي يتبضع خلاله الفرد والأسرة ما يتم عرضه من الجميع بلا استثناء، كلٌّ على طريقته ومن موقعه.

ما يهمني هو الفرد هنا، فطالما التغييرات حتمية في هذا الشهر تبعاً لحجمها وطبيعتها، هناك الكثير من الأفراد الذين هم بحاجة للبحث عن الفرصة في خضّم هذا التغيير الكبير. هناك حاجة لمن يضع أولويات بعض الأفراد الذين لا يستطيعون أن يضعوا أولويات التغيير في حياتهم، خاصة الصغار الذين يفتقرون للخبرة في الحياة وغير المتعلمين ربما كذلك. هناك حاجة لجهة أو خدمة استشارية غير ربحية تدرس الحالات وتسدي النصح لمن يطلبه، فالفرصة للعاطل عن العمل تختلف عن الفرصة لمن يرغب بالتخلص من الوزن الزائد، وهذه تختلف عن الفرصة لمن يرغب بالعلاج من مشكلة صحية أو من مشكلة الإدمان على التواصل الاجتماعي أو أي نوع من الإدمان.

كثير من الأفراد لديه فرص كبيرة وكثيرة وهو بأمس الحاجة لها، لكنه بحاجة للتمكين النفسي والاجتماعي كي يبدأ، ويرسم طريق المستقبل والبدء بخطوته الأولى والثانية، ليس نتيجة لقصور عقلي أو جسمي أو إمكانات، بل نتيجة للافتقار للتجربة، وربما للنمط التربوي الذي نشأت به أسرته أو لطبيعته الخجولة.

البعض على مسافة قريبة جداً من حل مشكلته، لكنه لا يعرف كيف يبدأ، والبعض لا يعرف متى يبدأ! البعض لم يتخذ قراراً واحداً في حياته، فأصبح يتملكه الخوف وعدم الجرأة على اتخاذ القرارات. البعض يملكون كفاءة عالية في الأداء لكنهم لا يعرفون نقطة البداية أو لا يملكون الجرأة على اتخاذ قرار النهاية.

لكل هؤلاء أقول: إن حجم التغيير الذي تتيحه منصة رمضان التغييرية بأجوائها الروحانية والاجتماعية، فرصة نادرة وثمينة للتدريب والتعليم، وهي فرصة لتجربة العمل وممارسة الطبخ في المطبخ وخوض تجارب تبدو بعيدة أو مستحيلة قبل ذلك، فرصة لتغيير العادات الغذائية السيئة واستبدالها بوجبات أكثر صحية وأنسب للجسم، كما أن من نافلة القول بأن منصة رمضان فرصة للإقلاع عن التدخين تدريجياً أو نهائياً، كما أنها فرصة للإقلاع أو للتخفيف من إدمان قنوات التواصل الاجتماعي أو أي نوع آخر من الإدمان، وهي فرصة لتبني الرياضة والنشاطات الرياضية الفردية والجماعية، كما أنها فرصة كذلك لتحسين العلاقة بالقراءة والكتابة، كل ذلك بجانب ومع العبادات التي يتميز بها هذا الشهر الروحاني والالتزامات الدينية الإيمانية المعتادة من صلوات وأدعية وقراءة وحفظ القرآن الكريم.

أخيرا، التغيير بحد ذاته ليس غاية، وليس من الحكمة تغيير العادات الحسنة والمفيدة، إنما من يريد الخلاص من صعوبات وتحديات، يمكن أن تكون منصة رمضان فرصة للبداية من هنا، شريطة التعرف على فن صناعة القرار وفن الإدارة مع جرعة كافية من التمكين النفسي والاجتماعي أو الأسري.

رمضان مبارك على الجميع وللجميع.. تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد