: آخر تحديث

ردّ الجميل لتاريخ الإبداع

7
6
7

ما رأيك في أن نستنبط قراءةً مختلفةً لأحد أبيات أبي الطيّب؟ في الحقيقة، ليس هذا البيت من تلك الأبيات ذات الألعاب النارية والمفرقعات المتسلسلة. لهذا أراد القلم أن يُحمّله شحنات تنوء بها الشاحنات.

دعنا من المطلع، فإنه زلّة لا تليق بشاعر في مستوى المتنبي، يقول: «لا خيل عندك تهديها ولا مالُ.. فليُسعدِ النطقُ إن لم تُسعدِ الحالُ»، فحتى القدامى عابوه على الابتداء بهذا المعنى. لم يفطن النّقاد قديماً لما هو أسوأ، وهو جعل الممدوح، الذي أغدق الأموال على الشاعر، في موضع المحتاج إلى مال المتنبي وخيله. الأدهى بلاغيّاً، هو استعمال الفعل: «فليسعد»، والإسعاد في العربية الإعانة. بطاقة «إسعاد» الإماراتية تحتمل السعادة والمعونة، ففي الجذر الثلاثي السعادة والمساعدة.

منطلَق الفرس الذي نعنيه هو قول شاعرنا: «لكنْ رأيتُ قبيحاً أن يُجادَ لنا.. وأنّنا بقضاء الحقّ بُخّالُ». هنا يأخذ الحديث مجرىً مختلفاً. لك أن تتخيّل البيت، وقد جرى على ألسنة الأوساط الثقافية العربية، ثم أن تصطفي منها صفوة المبدعين في الآداب والفنون. المشهد مفعم تعبيراً وعِبَراً. تقول النخب العربية التي نتوسم فيها الإبداع: لقد رأينا أنه من القبيح، أن يكون تاريخ ميراثنا، منذ الجاهلية إلى القرن العشرين، قد غمرنا بروائع النبوغ الخلاّقة، آداباً وفنوناً، ومعارف وعرفاناً، وببدائع العلوم التي سبر أغوارَها، وخاض غمارَها المستشرقون وباحثو الغرب، أكثر ممّا نَقبتْ في ديارها عقول العرب، وذلك معيب، فكيف يكون قضاءُ الحق؟

كم يوماً وليلةً تحتاج لتُحصي عدد الأدمغة، وتعدّد قمم الأعمال التي أبدعها الأعلام؟ هل يرضى الورثاء الطامحون إلى أن يُلحَقوا بجحافل الأبطال، بأن يكونوا مجرّد مستهلكين، وكأن ديار الخالدين بقالات أو محالّ وجبات سريعة؟ ديار الخالدين أصلاً لها أنظمة في منتهى الصرامة. واهم من يتوهم أنه بفعل وفاعل ومفعول، يستطيع أن يمسي جاراً للمعري وابن عربي وابن خلدون وأبي تمّام والمتنبي والباشا شوقي وابن رشد وابن سينا والزمخشري والفارابي. على ضفة النهر الأخرى، ديار عبقريات أخرى، من أفلاطون إلى كانط، ومن أرسطو إلى هيغل، ومنازل بني باخ وموتزارت وبيتهوفن، وبني سوفوكليس وشكسبير، وبني هوميروس وفيرجيل ودانتي. أمّا المتطفلون على الإبداع، فلهم مآدب، يشبعون فيها من كلّ «علقة بالفلقة». التأديب أيضاً من ثلاثي «أ د ب».

لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: على أنظمة التعليم التفكير في إدماج احترام ضوابط الإبداع، في صميم المناهج.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.