: آخر تحديث

أفدييفكا... وانعكاساتها في السياسة والميدان

8
11
9

بالمعنى العسكري والسياسي، شكل سقوط مدينة أفدييفكا الأوكرانية في أيدي القوات الروسية الأسبوع الماضي بعد هجوم استمر بضعة أشهر، نقطة تحول في مسار المعارك على الجبهات، وتالياً لا بد من التوقف عند الحدث والانعكاسات المحتملة على نقاط أخرى من الجبهة وفي السياسة أيضاً.

أفدييفكا مدينة صغيرة نسبياً (32 ألف نسمة قبل الحرب)، وتستمد أهميتها من كونها غنية بفحم الكوك، وقد بنيت معاملها على الطراز السوفياتي.

وفي عام 2014، استولت قوات الانفصاليين المدعومة من روسيا على المدينة لردح قصير من الزمن، قبل أن تتمكن القوات الحكومية من استعادتها. ومن الناحية العسكرية، شكلت المدينة خطراً على مدينة دونيتسك عاصمة المنطقة التي تحمل الاسم نفسه، إذ إن عمليات القصف التي استهدفتها في الحرب الجارية الآن، كانت تنطلق من أفدييفكا.

كما أن سقوط المدينة قد يفتح الطريق أمام الروس للتوغل بعمق أكبر داخل منطقة دونيتسك التي يسيطرون الآن على 60 في المئة منها، وبدأت القوات الأوكرانية المتراجعة بتشييد تحصينات وموانع دفاعية على الطريق إلى مدينة كوستيانيفكا على مسافة 40 كيلومتراً شمالاً، والتي قد تشكل الهدف التالي للجيش الروسي.

ماذا يعني سقود أفدييفكا من الناحية المعنوية؟
هذه أول مدينة يستولي عليها الجيش الروسي بعد باخموت في أيار (مايو) من العام الماضي. ثم أن سقوطها يؤذن بمرحلة جديدة في الحرب التي دخلت عامها الثالث، تنتقل فيها القوات الروسية إلى موقع الهجوم. ولا يخفي الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن الجبهات تعاني وضعاً "بالغ الصعوبة". وهذا ما يتفق عليه القادة الميدانيون وفي مقدمهم رئيس الأركان الجديد الجنرال أولكسندر سيرسكي، الذي عين خلفاً للجنرال المقال فاليري زالوجني في 8 شباط (فبراير) الجاري.

إلى أهمية ما تقدم، وفي الشأن العملياتي والمعنوي معاً، ينظر محللون عسكريون إلى سقوط أفدييفكا على أنه أنهى رسمياً الهجوم الأوكراني المضاد الذي انطلق الصيف الماضي وعلقت عليه آمال كبيرة في إحداث نقلة نوعية على الجبهات، بينما أتت نتائجه متواضعة جداً في مقابل كم كبير من الخسائر.

ماذا عن التوقيت؟
في الظروف المحيطة بسقوط أفدييفكا، أول ما يلفت النظر، هو أن هذا التطور ترافق مع تجميد المساعدات العسكرية الأميركية بسبب الخلافات السياسية بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري. الجمهوريون يريدون انفاق أموال دافعي الضرائب على تحصين الحدود الجنوبية مع المكسيك لوقف موجات المهاجرين الذين ينظر إليهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والمرشح الأوفر حظاً بنيل بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، على أنهم يشكلون خطراً على الأمن القومي الأميركي، أكثر بكثير مما تشكله روسيا.

تأخر المساعدات العسكرية الأميركية وعجز أوروبا عن سد النقص، أخل كثيراً بالتوازن على الجبهات. يقول قائد قطاع أفدييفكا في الجيش الأوكراني الجنرال أولكسندر تارنافسكي، أنه في وضع لا يستطيع فيه الجنود الرد بالمثل على قوة نارية تماثل واحد على عشرة، فإن الحل الأفضل هو الانسحاب قبل تطويق المدينة من الجهات الأربع. قرار الانسحاب أتى لتوفير حياة الجنود، وهذا ما لقي اشادة من مدير الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي.

وفي نهاية المطاف، يتعين على زيلينسكي وقيادته العسكرية الجديدة، أخذ العبر من التطورات الأخيرة في أفدييفكا والضغط العسكري الروسي، للخروج بخلاصات سياسية وعسكرية حول الطريقة التي تدار بها الحرب في عامها الثالث، ووقت تعاني كييف من صعوبات في تأمين الذخائر والحفاظ على مستويات الدعم الغربي كما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام.

يقف زيلينسكي اليوم أمام خيارات صعبة، لكنه لا يملك ترف الوقت كي يتأخر في الاقدام على قرارات قد تكون مؤلمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.