: آخر تحديث

وقف فوري للحرب

8
12
8

من زاوية رؤية ومشاعر أُم، أي أُم مهما كانت، تحتضن طفلها في ليالي قطاع غزة الباردة، وتبحث بعينيها في كل الأنقاض من حولها عن لقمة عيش فيها استدامة لنبض طفلها، فإن كل الحديث عن سيناريوهات «اليوم التالي» لا معنى لها في تلك اللحظة التي تعيشها الأم مذعورة، خوفاً من غارة أو قصف، أو ربما رصاصة قناص.

وكشأن كل الذين يوجدون فوق سطح الأرض في القطاع، تبحث تلك الأم عن فرصة طمأنينة في الحياة، أو أي أمل بصباح قادم في الغد. وهذا بالطبع لن تحققه كل أفكار وطروحات «اليوم التالي»، لكنه مع ذلك قابل للتحقيق مع وقف فوري لإطلاق النار. هل هذا منطق صعب ليفهمه العالم الغربي الذي أشبعنا بالحديث عن المدنية والتحضر والإنسانية وحقوق الإنسان؟!

إن ذلك الطفل الذي يرتجف برداً وخوفاً وجوعاً في حضن أمه، يتشكل الآن وعيُه المبكر والغض على الدم والخوف، مما قد يحوله مع تراكم هذه المشهدية العنيفة في حياته إلى مشروع آلة انتقام وقتل. وحينها فإن كل سيناريوهات العقلانية لن توقفه عن تحقيق سلسلة انتقامه من كل ما رأى وشاهد. مَن يستطيع أن يوقف «الثأرية»، والتي هي فعل توالدي بطبيعته؟ لذا يصبح الوقف الفوري لإطلاق النار ضرورة حيوية لا لقطاع غزة فحسب، بل للعالم كله أيضاً.

هل انتبه العالم «المتقدم علمياً»، والبشرية التي تطورت بالتكنولوجيا المعرفية، إلى أن جيلاً كاملاً، وربما جيلين كاملين، في قطاع غزة، قد انقطعوا عن أي شكل عن التعليم والمعرفة الإنسانية في ظل الحرب القائمة؟ إن هذا يعني، وببساطة تامة، أن جيلاً أو جيلين لا يقل عددهم عن مليون شخص هم بعد نجاتهم من الإبادة كتلة متأخرة في المعرفة والعلوم عن العالم مِن حولهم. والجهل أعمى وباب مفتوح للتطرف الأعمى. ويعني ذلك في ما يعني، وبكل بساطة أيضاً، أن إعادة تدوير التطرف ستكون لها تربتها الخصبة في تلك الجغرافيا المنكوبة بالاحتلال والقهر والجوع واليأس. لكن كيف يمكن الآن تدارك ذلك كله؟

من دون وقف فوري للحرب لا يمكن تدارك شيء هناك. إن جهود العالم كله يجب أن تكون موجهة نحو حكومة اليمين الإسرائيلي لوقف آلة الحرب وماكينات القتل المجاني ولوضع حد لذلك كله، وفي أسرع وقت ممكن. ثم من بعد ذلك يمكن التفكير في «اليوم التالي»، ضمن قناعات إنسانية تحمي أهل غزة من سلسال الدم المتدفق. التطرف فكرة، والفكرة لا يمكن أن تكون ملموسة ليتم قنصها، أو تفجيرها بالنار والرصاص وآلة القتل العسكرية.. الفكرة المعتمة والظلامية يبددها فقط سلاحُ الوعي والمعرفة، وهذا لا يتأتى إلا بوقف الدم والرعب، فوراً ودون تأخير.

الإرهاب ينتج إرهاباً، وغزة بحاجة إلى تدخل عالمي حاسم يوقف تلك الحرب. التاريخ يعلمنا، وإن كنا نادراً ما أخذنا العبرة من دروسه، إلا أنه مع ذلك يخبرنا بأن كل حروب الإبادة ودورات العنف المفرط التي شهدها على مداره كانت دوماً تحمل في يومها الأخير بذور عنف كامن يكبر مع الأجيال التالية للحرب وجيلها. الاستثناءات كانت دوماً في إعادة تأهيل الإنسان داخل تلك الأجيال التي نشأت على اليأس والقهر، ليكون لديها أمل. والأمل لا يمكن أن يعيش أو ينمو تحت وطأة القصف والدم والقتل.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد