أمة بلا مكاسب أفضل من مكاسب بلا أمة.. توقف الزمن في ليبيا، وليست مبالغة، ١٢عاماً مضت على أحداث ما يسمى بـ«الربيع العربي» ولا يزال البحث مستمراً عن الاستقرار المفقود. ليبيا الدولة الغنية بمواردها وتاريخها ودورها في محيطها العربي والإقليمي يجب ألا تدور في حلقات مفرغة، المستقبل الليبي من غير المقبول قراءته عبر الفناجين أو كتابته بأفواه العرافين.
آن الأوان لمغادرة قطار التلكؤ إلى فضاء أرحب، فضاء لا يعترف بالتفاصيل الصغيرة التي تعرقل مراحل استراتيجية كبرى، استحقاق الانتخابات البرلمانية والرئاسية موعد مؤجل منذ أكثر من عامين، صراع النفوذ وفرض الإرادات صنع المطبات في الطريق. منسوب الأمل يتراجع أمام الجميع، الكل خاسر من دون الدولة بمفهومها الوطني، الانهيارات ربما لن تقل في خسائرها عن العواصف والأعاصير التي شهدتها البلاد بعنوان «دانيال سبتمبر الماضي».
الفارق أن الخسائر الناجمة عن هذا الإعصار، يمكن تداركها وإعادة إعمارها، أما الأعاصير السياسية فربما لا تبقي ولا تذر، خاطئ من ينتظر الفرصة مرتين، ولا يعرف قواعد الحسابات من يعتقد أن بقاء الحال كما هو عليه، فرصة لتحقيق مكاسب شخصية وضيقة، المشاهد من حولنا في المنطقة لا تحتمل رفاهية الصمت أو المشاهدة فقط.
تأملت ما يزيد على عقد مضى، قرأت ملامح الدولة الليبية، أنهكتها التجارب وصراعات النفوذ الخارجية، وأغضبها المتسابقون على استغلال ثرواتها، استوقفني كثيراً غدر الجماعات الإرهابية التي اتخذت منها مسرحاً لاستضافة كل صنوف التنظيمات الإرهابية، ملامحها لم تخف حالة التشظي السياسي والمجتمعي والاقتصادي التي حصلت على إقامة مفتوحة في مفاصل الدولة.
مما قاد إلى تفاقم الخسائر الاقتصادية، وتدمير الأصول في قطاعات كالقطاع النفطي والبناء والزراعة والتصنيع، وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتحويل الموارد عن الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية إلى مجالات أخرى، وتراجع كبير في قطاعي التشييد والبناء، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي وتراجعت معدلات الاستثمار،وباتت الدولة تعاني من أعراض مرضية قاسية تهدد قدرتها على التعافي.
الدواء ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً، «روشتة» العلاج يجب أن يكتبها الأطباء الليبيون، انتهت فاعلية العلاج المستورد، وصفات أطباء الخارج تضاعف من أعراض الأزمة.
تقديرات الإسكوا، إذا استمر الصراع حتى عام 2025 قد يضيف ما يساوي 462 مليار دولار أمريكي على الكلفة الاقتصادية، أي 80% من الكلفة في السنوات العشر الماضية.
الرسالة واضحة إلى كل المكونات الليبية، ليس من المصلحة الوطنية لمستقبل البلاد تراكم الخلافات، وإيقاظ العناد السياسي، ليس هناك رفاهية أمام البلاد، الوقت سياف، كل الخطوات نحو المستقبل تتطلب حتمية حسم الخروج من دوامة الانقسام التي تغرقها منذ سنوات، ووضع خطة لإعادة البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي، تقوم على تغليب قوة القانون وليس قانون القوة، فضلاً عن ضرورة التوصل إلى اتفاقات حاسمة بين أعضاء مجلس النواب وأعضاء المجلس الأعلى للدولة، والأحزاب والقوى السياسية من أجل الوصول إلى خارطة الطريق التي صارت مطلباً شعبياً وضرورياً من أجل توحيد السلطة التنفيذية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتحرك بقطار الدولة الليبية إلى الأمام تجنباً لأي أعاصير جيوسياسية جديدة، فليس خافياً على الأشقاء الليبيين قراءة أخطار الرمال السياسية المتحركة في المنطقة والإقليم، والسباق نحو إعادة رسم خرائط نفوذ جديدة في نظام عالمي يتشكل الآن وبشكل سريع، وبالتالي فإن ليبيا كدولة لها تاريخها في محيطها الإقليمي والعربي لديها فرصة ليست قليلة في استعادة مكانتها وسط هذا النظام العالمي الجديد، شريطة توافر الإرادة السياسية لدى كل الأطراف والمكونات الفاعلة على الأرض الليبية، من أجل القفز بالدولة الليبية نحو الاستقرار، والخروج من خندق الحسابات الضيقة إلى حسابات الدولة الوطنية التي تسع الجميع، وهنا أؤكد ما بدأت به: «أمة بلا مكاسب أفضل من مكاسب بلا أمة».