: آخر تحديث

القشّة وظهر البعير

11
10
12

متداول كثيراً المثل القائل: «القشّة التي قصمت ظهر البعير»، ومتداول أيضاً ما قيل عن أصل هذا التعبير، فحسب أغلبية ما تيسّر لنا قراءته حول الأمر، يحكى أن رجلاً كان لديه جمل، لا يملك سواه، فأراد أن يسافر إلى بلدةٍ ما، فأخذ يحمل أمتعة كثيرة فوق ظهر ذلك الجمل، حتى كوَّم فوق ظهره ما يحمله عدة جمال، فبدأ الجمل يهتز من كثرة الأمتعة الثقيلة، فاستهجن الناس ما يفعل الرجل، وصرخوا في وجهه: «يكفي ما حمّلت عليه».

لم يهتم صاحب الجمل بجلبة وصراخ الناس من حوله، بل أخذ حزمة من تبنٍ وأضافها إلى ما فوق ظهر البعير من أحمال، قائلاً «هذه خفيفة وهي آخر المتاع»، فما كان من الجمل إلا أن سقط أرضاً، فتعجّب الناس، وقالوا ساعتها: «قشّة قصمت ظهر البعير».

ومع أن «معجم الأمثال العربية» في شرحه لهذا التعبير قال: «لكل حيوانٍ قدرةٌ خاصةٌ في تحمل الأحمال، فإذا زاد الحِمل عن الطاقة، عَجز هذا الحيوانُ عن حمله مهما كان قليل الوزن كالقشّة»، لكن «معجم التعابير الاصطلاحية في العربية المعاصرة»، أتى على تعريفٍ يبدو أكثر دقة، حين أوضح أن القشة التي قصمت ظهر البعير هي: «الشيء البسيط الذي أدَّى إلى حدوث الكارثة»، فالأمر لا يتصل بالحيوان وحده، وإنما يشمل الإنسان، ولولا هذا الشمول ما كان لهذا المثل أن ينال ما ناله من صيت حتى اليوم، مع أننا لا نعرف في أي زمن من الأزمنة القديمة قيل هذا القول، وهل هو قصة حقيقية، أم صنعها المتخيّل البشري، في سعيه لصوغ الحكم المستقاة من تجارب الحياة.

ما أسقط البعير ليس القشّة الأخيرة التي أضافها صاحبه على ظهره، وإنما الأحمال الثقيلة هي التي قصمت ظهره، فلم يعد يحتمل الأمر فسقط على الأرض، فغدا التعبير مثلاً أو حكمة تقال للتدليل على أن أشدّ البشر، والكائنات عامة، قوّة ومقدرة وصبراً، لقوتهم وصبرهم حدود، وحين يبلغون أقصاها، لن يعود بوسعهم تحمل المزيد، ولا الصبر عليه، في كل خيارات الحياة. وما من مجال من المجالات، بما في ذلك السياسة، بمنجاة من أن يحدث الأمر نفسه فيه، وكذلك في حيوات البشر حتى تلك التي تطال أشدّ الأمور شخصية، حين ينفد الصبر ويغلي مرجل الغضب، وتفيض الكأس كما يقال.

أحد قوانين «الديالكتيك» يقول، إن التراكمات الكميّة تتحول في لحظةٍ ما إلى تحولات نوعية، ويُعطي مثلاً على ذلك بأن الماء حين يصل درجة الغليان، يتحول إلى بخار، ولعلها نفس الفكرة التي عناها القول عن القشّة وظهر البعير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد