لم يعد مهماً البحث في الطريقة التي اغتالت بها إسرائيل القيادي في حركة حماس صالح العاروري، إن كان من قبل طائرة مقاتلة، أو طائرة مسيّرة، ولم يعد مهماً الجهة التي وشت بمكان العاروري، الذي قُتل في مكتبه بالضاحية الجنوبية لبيروت الثلاثاء الماضي، فالبحث لن يجدي نفعاً، ولن يكون له دور في النتيجة، فقد انتهت حياة الرجل، وانتهى الأمر.
لكن المهم هو إن كانت حادثة الاغتيال ستؤدي إلى حرب مع حزب الله تقتصر على قواعده وأفراده وأسلحته وبنيته التحتية، المدنية والعسكرية، أم إلى حرب شاملة مع لبنان كما حدث في العام 2006، حيث لجأت إسرائيل إلى تدمير كل شيء تطاله، وقضت على البنية التحتية للضاحية الجنوبية وبعض المناطق الأخرى، والتي لا يزال يعاني تداعياتها لبنان حتى اليوم. وقد هدّد المسؤولون الإسرائيليون في أكثر من تصريح بأنه إذا تجاوز حزب الله حدوده سيكون لبنان هو المسؤول، وما سيحدث في أي حرب سيكون شبيهاً لما يحدث في غزة، ويبدو أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة قد بدأتا تشنان هجمات استباقية على ما يُسمى محور المقاومة، فقد قتلت إسرائيل مسؤولاً كبيراً في الحرس الثوري الإيراني على الأراضي السورية، قبل العاروري، وشنّت الطائرات الأمريكية هجمات على الحشد الشعبي العراقي، وقتلت قائداً كبيراً أيضاً، ولا يزال الحديث يدور حول التفجيرات التي وقعت بالقرب من ضريح سليماني في إيران، وراح ضحيتها أكثر من 100 قتيل ومئات الجرحى، إذ أعلن «داعش» مسؤوليته، لكن لا تزال الجهات المتهمة من جانب إيران، وهي إسرائيل وأمريكا، تلتزمان الصمت.
إن ما يهمنا هنا ما سيحدث في الأيام القادمة على جبهة جنوب لبنان، وبالعودة إلى تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي أكد سابقاً أن اغتيال أي مسؤول لبناني، أو فلسطيني أو أي مسؤول آخر على الأرض اللبنانية، لن يمر دون عقاب، ولم يكرر تهديده في خطابه الأخير، واكتفى بالقول: «إن الأمر متروك للميدان، والأيام والليالي القادمة»، وانشغل المحللون بتفسير هذه العبارة، لكنه لم يطلق تهديدات ساخنة، ولم يتوعد أحداً، ما أثار انتقادات لخطابه تشبه الانتقادات التي واجهها خطابه قبل شهرين تقريباً، حين اعتقد الناس أنه سيعلن الحرب الشاملة على إسرائيل، لكنه لم يفعل.
من جهة أخرى قال وزير الحرب الإسرائيلي: «إن الفسحة الدبلوماسية لحل الموضوع مع لبنان أو حزب الله ضيقة جداً»، ومسؤولون آخرون قالوا: «إن الحرب الشاملة الإسرائيلية اللبنانية مسألة وقت»، ويبدو أن الطرفين يضعان إصبعيهما على الزناد، وقد تشعل الحرب أي حادثة بسيطة، هكذا يرى بعض المحللين، لكنني أرى عكس ذلك تماماً، فإسرائيل غير مستعدة الآن في ظل هذه الظروف العسكرية والخلافات الداخلية للدخول في حرب ثانية وعلى جبهة أخرى، إضافة إلى أن هناك اعتراضاً واسعاً في الداخل اللبناني على توسيع المعركة مع إسرائيل، ناهيك عن أن لبنان في وضعه الحالي، حيث كرسي الرئاسة لا يزال فارغاً واقتصاده متهالكاً والخلافات الداخلية كثيرة، كل ذلك لن يسمح بتوسيع المعركة فهناك خطر رفض شعبي، و«سيناريوهات» عديدة لن تكون في مصلحة حزب الله، لكن كل هذا لا يلغي احتمال الحرب، لأن إسرائيل باتت تخشى من عملية شبيهة ب«طوفان الأقصى» من الأراضي اللبنانية، وتسعى إلى إبعاد حزب الله عن الحدود، وتحديداً إلى شمال نهر الليطاني، وإن لم يتم هذا سياسياً، فستلجأ إسرائيل للقوة كما صرح وزير حربها.
لا أحد يريد نشوب حرب بين لبنان وإسرائيل، لكن جنون القيادات، والبحث عن نصرٍ مؤزّر قد يشعلان الحرب التي إن وقعت هذه المرة ستؤدي إلى حرب إقليمية بالفعل، وستكون ساحتها سوريا والعراق، وربما إيران، لهذا على الولايات المتحدة ومجلس الأمن القيام بدور حاسم، لتجنّب هذه الحرب، وبداية هذا الدور وقف إطلاق النار في غزة.