: آخر تحديث

قلق البدايات

10
11
10
مواضيع ذات صلة

وادي السيليكون، الذي ترامت لوحته التقنية في فسيفساء من الابتكارات المدفوعة بطموحات منوعة، فجأة ضاقت رؤيته وتركزت في مفهوم محدد: الذكاء الاصطناعي. كان التحول واضحاً لو ألقيت نظرة وأنت تمر بالمسارات التي تصطخب بنقاشات غرف مجلس الإدارة التي تداولت التوجهات الاستراتيجية لعمالقة الصناعة. فقد تسابقت كل الشركات وعلى رأسها مايكروسوفت التي احتدت فحقنت الذكاء الاصطناعي في صميم استراتيجيات أعمالها كلها تقريباً مشعلة سباقاً شرساً للسيطرة على حدود التقنية الجديدة.

كل تلك الزوبعة بدأت من مصنع المايونيز القديم الذي يضم شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح. لم يدرك مهندسو تشات (جي بي تي) المكون من قرابة 400 موظف ما هم بصدده تماماً، حيث كانوا يعملون بلا كلل، في غفلة عن الهزة التي على وشك أن يحدثوها بمجرد أن يضع تطبيقهم خطوته الأولى على مضمار التقنية.

قبل إطلاق التقنية الجديدة التي طورت بالنسخة الرابعة مضاعفة قوته عن النسخة السابقة، أدرك الفريق الآثار الأخلاقية والمجتمعية لعملهم. قد تكون التقنية ثورية، إنما كانت مخرجات النسخة الرابعة تضعهم في مأزق أخلاقي يتأرجح على حافة هاوية تؤدي لإنتاج محتوى ضار تصعب السيطرة عليه.

قبيل إطلاق التطبيق في منتصف نوفمبر 2022، اجتمعت قيادة الذكاء الاصطناعي المفتوح لاتخاذ قرار مهم. في غرفة اجتماعات تشرف على وادي السيليكون الذي اتسعت أطرافه خلف الزجاج اللامع، موعد آخر للبت في مصير التقنية التي استعصت عليهم، والوقت ليس في صالحهم. وسط النقاشات المتعددة، وفي لحظة حاسمة تحدث ألتمان. صمتت الغرفة وهي تستمع لمقترحه بإصدار النسخة السابقة الأقل تقدماً بدلاً من النسخة الحالية، عندها تشكلت استراتيجية جريئة: العالم مختبر لتجربة نسخة مخففة من التقنية قبل إطلاق النسخة الكاملة.

تقدم كبار وادي السيليكون متبعين خطوات فريق الذكاء الاصطناعي المفتوح التي تستحق وقفة تأمل، ثقل المسؤولية الذي استشعره الفريق انعكس على خطواتهم المحسوبة، في مقابل الخطوات السريعة التي أخذها المنافسون للحاق بهم، مما يمثل فهماً عميقاً لرحلة الابتكار التي لا يمكن التنبؤ بها، مما يسلط الضوء على التفاعل الدقيق بين التقنية الرائدة وتأثيرها الأوسع على المجتمع.

رغم كل ذلك، وقبل إطلاق النسخة إلى جمهور المستخدمين، كان فريق الذكاء الاصطناعي المفتوح يتوقع إقبالاً ضعيفاً وفتوراً من المستخدمين. كان توقع بروكمان رئيس الشركة قبل الإطلاق بيوم أن تحظى تغريدة الإطلاق بخمسة آلاف إعجاب فقط. في صباح اليوم التالي، وبعد الإطلاق بقليل، تسارعت طلبات الاشتراك حتى بلغت في خمسة أيام إلى أكثر من مليون، وفي أسابيع قليلة بلغت الاشتراكات مئة مليون، مفاجأة دعت الشركة لدعم بنيتها بخوادم سحبت من مشاريع أخرى، فقد كان الطلب أشبه بالطوفان، مضت الشهور وكلنا يعرف اليوم كم كان بروكمان مخطئاً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد