: آخر تحديث

حرب الجمهورية المخطوفة وتحدّيات "الإعمار السياسي"

14
15
17
مواضيع ذات صلة

ليس فتح الجبهة في الجنوب لدعم غزة، مهما يكن حجم المواجهة مع إسرائيل، قليل الكلفة على لبنان المنهك. وهذا ما يعرفه «حزب الله» أكثر من سواه. ولا هو سوى فصل في مسلسل عنوانه الجمهورية المخطوفة والسخرية من الشرعية اللبنانية والشرعية العربية والشرعية الدولية. ولا فرق، سواء اقتصر العمل العسكري كالعادة على المقاومة الإسلامية بقيادة «حزب الله» او انضمت اليها بقرار منها «كتائب القسام- لبنان» وسرايا «الجهاد الإسلامي». لكن مشكلة الداعين، عن حق، الى تحرير الجمهورية من الأسر، مثلثة. أولاً لأن وحدة الصف بين هؤلاء، بصرف النظر عن وحدة الهدف، ليست كاملة، وبعضهم تمنعه مصالحه الضيقة من العمل لبناء دولة فعلية. وثانياً لأن واضع اليد على الجمهورية، وهو «حزب الله»، لديه حلفاء بين القوى التي ترفع شعار السيادة وبناء الدولة. وثالثاً لأن الجهة الخاطفة صاحبة مشروع جذري، وما تريده ليس ثمناً لتحرير المخطوف بل البلد كله لإقامة «لبنان آخر».

ومن الطبيعي أن ترفض أكثرية اللبنانيين أخذ البلد بقوة طرف واحد الى محور إقليمي لتحقيق مشروع يقوده نظام ديني. فالكل يعرف أن شعار «تحرير فلسطين» الذي يراد ربط لبنان به هو، بصرف النظر عن كونه حقاً تاريخياً للشعب الفلسطيني، بطاقة دعوة الى حرب دائمة تستمر قرناً آخر بعد القرن الذي استهلكته في مواجهة قوى دولية كانت منذ 1948 ولا تزال تحمي الدولة العبرية مع رفعها شعار التسوية ودعوتها الى «حل الدولتين». لكن التحولات التي حدثت في لبنان خلال الحرب الطويلة وبعدها جعلت من الصعب تغيير الأمر الواقع الذي فرضته التحولات بالقوة من جهة، والضعف والعجز والأنانيات وفقدان الرؤية الإستراتيجية بالمقابل. وليس الشغور الرئاسي المتكرر كل ست سنوات والمفروض بالقوة سوى رمز لما نحن فيه وما سنصير اليه اذا لم يحدث تطور دراماتيكي.

ذلك أن تحرير الجمهورية من الأسر في إطار وطني هو مجرد بداية لمسار طويل. فما يحتاج اليه لبنان يتجاوز إنقاذه من الأزمات المالية والإقتصادية والإجتماعية الخانقة الى إنقاذه من المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة. والمعنى البسيط لذلك هو فتح ورشة كبيرة لـ»إعادة الإعمار سياسياً واجتماعياً» بدل فتح الجبهة الجنوبية لحرب أكبر من البلد وقواه، ولو كان في قمة الإزدهار الإقتصادي وليس مفلساً وغارقاً في دين عام فلكي.

ولا يبدل في الأمر التصرف الدائم على أساس أن لبنان مرتبط بالمشهد الشرق أوسطي وصراعات القوى في المنطقة وعليها. فكل بلد في المنطقة مرتبط بالأوضاع الإقليمية والدولية بشكل او بآخر. لكن أي بلد لا يقف في العراء منتظراً التطورات الخارجية من دون ترتيب الدولة والسلطة لمواجهة التطورات من موقع قوي. وحده لبنان محكوم بأن يكون بلا دولة ولا سلطة جدية في انتظار ما يحدث خارجه ويؤثر فيه. فهذا هو المناخ المثالي لقوة مسلحة خارج الشرعية وداخل الباقي منها تقرر وحدها عنه على أساس أنها تملك «المشروعية».

يقول مكيافيللي في كتاب»الأمير»: «كل جمهورية يجب أن تقرر ماذا يجب أن تكون: روما او البندقية. السيطرة بالقوة او العيش في مكان قوي وترتيب العلاقات مع الآخرين». لبنان اراد ان يكون مثل البندقية، لكن اللعب الداخلي به والتلاعب الخارجي بأمراء الطوائف وبه قاده الى مكان آخر. وأريد له منذ ثلث قرن ان يكون مثل روما، لكن ذلك قاده الى «جهنم».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد