: آخر تحديث

​مسيرة "رسميّة" مناهضة للاساميّة تثير انقساماً سياسياً في فرنسا

14
11
18
مواضيع ذات صلة

شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرات عدة على عدم السماح للحرب الإسرائيلية في غزة بأن تؤثر على الداخل الفرنسي، حيث تعيش جالية يهودية عددها 700 ألف وجالية مسلمة عددها أكثر من 5 ملايين. لكن المسيرة التي دعت إليها رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية يائيل براون بيفي ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشي تحت عنوان مناهضة اللاسامية عززت الانقسام السياسي داخل فرنسا.
 
وأعلن التجمع الوطني الذي ترأسه مارين لوبن مشاركته في المسيرة، بما شكل نوعاً من الفخ للحزب الحاكم ولحزب الجمهوريين من اليمين الوسط، وكلاهما ضد السير إلى جانب التجمع المتهم منذ والد مارين، جان ماري لوبن مؤسس الحزب اليميني، بأنه معاد للاسامية. أما حزب فرنسا غير المنصاعة les insoumis الذي يرأسه جان لوك ملانشون فقرر مقاطعة هذه المسيرة، معرباً عن رفضه المشاركة في مسيرة يعتبرها موقفاً مؤيداً لإسرائيل رغم نفي منظمي المسيرة تلك الصفة عنها، لا بل قرر تنظيم مسيرة مضادة تأييداً للفلسطينيين .. وأعلنت رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيت بورن عن نيتها المشاركة كما الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة السابق إدوار فيليب الذي قد يستعد لخوض انتخابات الرئاسة بعد انتهاء عهد ماكرون، وزعماء اليمين الجمهوري.
 
وكان الرئيس ماكرون قد عمل لقانون فرنسي يساوي بين اللاسامية واللاصهيونية، ويتهم كل من يقوم بعمل ضد الصهيونية بأنه معاد للاسامية.
 
تأييد لوبن وحزبها الكلي لرئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والدولة العبرية أحرج منظمي المسيرة الذين حتى مستقبل قريب كانوا يصفون التجمع الوطني باللاسامية استناداً إلى قول جان ماري لوبن يوماً إن غرف الغاز حيث ألقي اليهود في عهد هتلر لم تكن موجودة. منظمو المسيرة يريدون التأكيد أنها فقط ضد اللاسامية، إلا أن القانون الذي ساوى اللاسامية بمناهضة الصهيونية هو الذي أعطى الانطباع بأن المشاركين في المسيرة مؤيدون لإسرائيل وحربها على غزة. لكن ماكرون أبدى حذراً عندما حذر خلال زيارته محفل "الشرق الكبير" الحزب الماسوني منبهاً من "الذين يدّعون تأييد مواطنينا اليهود بالخلط بين تأييد اليهود ورفض المسلمين"، في إشارة إلى اليمين المتطرف.
 
المسيرة تعكس مجدداً التوتر الحاصل في الداخل الفرنسي بعد انحياز الرئيس الفرنسي والطبقة السياسة بأسرها لإسرائيل، والتركيز على حقها في الدفاع عن نفسها بالرد، رغم أن ماكرون حاول أخيراً اتخاذ موقف أكثر توازناً، إذ دعا للمرة الأولى إلى وقف إطلاق نار حقيقي وليس فقط هدنة إنسانية خلال مؤتمر إنساني نظمه بسرعة من أجل المساعدات الإنسانية إلى غزة. وجاءت شهادة المفوض العام لمنظمة الأمم المتحدة للاجئين (الأونروا) فيليب لازاريني خلال المؤتمر عما يجري في غزة التي زارها، لتعطي صورة مؤلمة وكارثية عن الوضع المروع والمأسوي لغزة وتؤثر في المشاركين وفي طليعتهم ماكرون.
 
وقال المسوؤل الدولي في مستهل كلمته: "زرت مدارسنا في غزة حيث كان الأطفال في الماضي يضحكون ويلعبون وهم اليوم يتعطشون لنقطة ماء ورغيف من الخبز". وأعرب عن ألمه البالغ لسقوط 99 قتيلاً من عاملي المنظمة في غزة، وهو أعلى عدد من قتلى المنظمة في صراع خلال وقت قصير. وأضاف: ”المدارس أصبحت ملاجئ لعدد كبير من الناس، الزيارة تقطع القلب، ملاجئنا مليئة باللاجئين وفيها القليل من الخبز وغيره من الأغذية، وزميلتي في غزة تساءلت إذا كانت ستفقد عائلتها، لكنها بقيت بشجاعة.
 
والملاجئ محاطة بأحياء أزيلت بكاملها بالقصف، والمستشفيات ومدارس الأونروا لم توفر. زميلي المسؤول عن التربية في مدارس غزة سأله الطلاب: لماذا أمضت الأونروا وقتاً طويلاً تعلمهم الحقوق الإنسانية ما دامت هذه الحقوق غير معتبرة في غزة، وكيف نرد على آلاف من الضحايا وهم ليسوا بمثابة أضرار جانبية؟ لقد طردوا من بيوتهم كعقاب جماعي. من الطبيعي إدانة ما قامت به حماس ولكنه لا يبرر الرد الكارثي. ونعت الناس بأنهم إرهابيون وحيوانات يشير إلى نقص كامل في التعاطف مع المدنيين". دعا بإلحاح إلى وقف إطلاق النار وإيقاف هذه الكارثة الإنسانية.
 
ولا شك في أنه كان لكلماته المؤثرة صدى لدى المشاركين في المؤتمر الإنساني الذي قرر التزامات بمساعدات بلغت مليار يورو، بحسب الرئاسة الفرنسية. لكن دخول المساعدات ما زال بالغ الصعوبة، وفرنسا حاولت عبر هذا المؤتمر إظهار تعاطف مع الغزاويين والعمل مع كل من قطر ومصر على الإفراج عن الرهائن في غزة بعدما أغضب الموقف الفرنسي مؤيدي الشعب الفلسطيني الذي يعيش منذ عقود تحت الاحتلال والحصار والقتل الإسرائيلي. ولكن السؤال يبقى: هل مسيرة يوم الأحد ستعزز الانقسام والتوتر الداخلي إزاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحرب إسرائيل المستمرة على غزة وقتل أهلها؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.