: آخر تحديث

جبران واللغة العربية

8
9
7
مواضيع ذات صلة

في أجواء احتفائنا باليوم العالمي للغتنا العربية، مناسب أن نقف عند رأي أحد أهم أدباء المهجر وأشهرهم، جبران خليل جبران. وأهمية هذا الرأي ناجمة ليس فقط عن مكانة جبران الأدبية والثقافية، وإنما أيضاً لأنه من المبدعين العرب الذين وقفوا على تخوم لغتين وثقافتين، فإضافة إلى تكوينه اللغوي العربي الأول، فإن هجرته مع والدته إلى أمريكا، وهو في مقتبل عمره، مكّنته من اللغة الإنجليزية حد أنه وضع بها بعض مؤلفاته، وإن وجد من قال إنه كان لماري هاسكل، صديقته الشهيرة والأثيرة، دور في تحرير ما كتب بالإنجليزية، لكن هذا، بحد ذاته، لا يُعد مأخذاً.

لم يفعل جبران ما فعله آخرون ممن وجدوا أنفسهم يعيشون في كنف ثقافة ولغة غير ثقافتهما ولغتهما اللتين نشأ عليها وفيها، فأدار ظهره لحقيقة كونه، في الأساس، ابن اللغة والثقافة العربيتين، وانساق مع القائلين بأن لغتنا لن تصنع كاتباً عالمياً، أو على الأقل معروفاً في مجتمعات أخرى غير العربية، وهو ما تحقق لجبران نفسه، وكان يمكن لهذا أن يكون كافياً ليصبح واحداً من ناكري فضل لغته الأم عليه.

شهادة جبران حول اللغة العربية جاءت في عام 1920 عندما استفتت مجلة «الهلال» عدداً من الكتّاب والمفكرين العرب حول مستقبل اللغة العربية، وهي شهادة أضاءها لنا الناقد اللبناني الراحل محمد دكروب في كتابه «خمسة روّاد يحاورون العصر»، في سياق وقوفه أمام أدب وفكر جبران، أحد الخمسة الذين تناولهم، وهم إضافة إلى جبران: أمين الريحاني، عمر فاخوري، مارون عبّود، رئيف خوري.

في تلك الشهادة قال جبران: «في سوريا (وقصد بها في حينه كامل بلاد الشام) كان التعليم يأتينا من الغرب بشكل الصدقة، وقد كنا ولم نزل نلتهم خبز الصدقة لأننا جياع متضوّرون، وقد أحياناً ذلك الخبز، ولما أحياناً أماتنا»، وفي شرح قوله هذا أوضح جبران: «إن الذين درسوا بعض العلوم باللغة الإنجليزية يريدون أمريكا أو إنجلترا وصيّة على بلادهم، والذين درسوا باللغة الفرنسية يطلبون فرنسا أن تتولى أمرهم».

مثلما طالب طه حسين مبكراً بمجانية التعليم في بلاده، مصر، وسعى إلى تحقيق ذلك حين أصبح وزيراً للمعارف، طالب جبران بأن «تنتقل المدارس (وهو يتحدث عن بلاد الشام) من أيدي الجماعات الخيرية واللجان الطائفية والبعثات الدينية الأجنبية إلى أيدي الحكومات المحلية، فبهذا الطريق يعم انتشار اللغة العربية، وتُعلّم بها جميع العلوم، فتُوحد ميولنا السياسية وتُبلور منازعنا القومية».

«وصفة» جبران لصون لغتنا والنهوض بتعليمنا التي لخصها بعبارة «تعليم الناشئة على نفقة الأمة»، ضرورية لحاضرنا بدرجة أكبر مما كانت عليه في زمن جبران.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.