مع توالي الإشارات سواء من الولايات المتحدة الأميركية أو من إيران، التي تدل على الرغبة في تجنب توسيع الحرب بحيث تنخرط فيها واشنطن وتندفع إليها إيران، يستمر تبادل الضربات وتسخين مسرح الاحتكاك والمناوشات بين الجانبين، خارج مسرح العمليات في غزة والضفة الغربية، من دون أن تتطور الأوضاع الميدانية نحو مستوى جديد من التصادم.
آخر تلك الإشارات عن رغبة الجانبين الأميركي والإيراني بتفادي أي مواجهة بينهما، صدر أول من أمس عن مستشار مرشد الثورة الإسلامية في إيران، غلام حسين حداد عادل الذي رأى في حديث لصحيفة «اعتماد» الإيرانية، رداً على الدعوات لطهران لأن تنخرط في الحرب، أن لا مصلحة لإيران في ذلك. وقال حداد عادل الذي كان رئيساً للبرلمان الإيراني في دورة العام 2000، إنه «يجب أن يعلم من يرغب في دخول إيران حرب غزة أنّ هذا بالضبط ما يرغب فيه النظام الصهيوني»، ولفت إلى أنّ «الصراع سيؤدي إلى حرب ضد الولايات المتحدة، و أن إسرائيل ستكون في جانب الأمان في حرب من هذا النوع».
لا يختلف كلام حداد عادل الذي ينتمي إلى التيار المحافظ المتشدد عن تلميحات أخرى قالها أكثر من مسؤول إيراني في الأسابيع الماضية، بمن فيهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، الذي يتولى في الوقت نفسه إطلاق الإنذارات والتهديدات بإمكان توسيع الحرب بسبب استمرار الفظاعات الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة، وبفعل حرب الإبادة التي يمارسها اليمين الإسرائيلي المتطرف ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية على السواء. فعبد اللهيان كان يقرِنُ في كل مرة تحذيره من إمكان فتح المقاومة جبهة أخرى ضد إسرائيل رداً على مواصلة جيشها استهداف المدنيين بتأكيد اللازمة الإيرانية عن أن لا رغبة لدى طهران في توسيع الحرب ولا نية لديها لاعتماد هذا الخيار.
ما قاله حداد عادل قبل يومين يوضح مرة جديدة التوجه الإيراني الذي بات معروفاً لدى أصدقاء طهران وخصومها، وإلا ما كان «حزب الله» يلتزم حدوداً في الاشتباكات التي يخوضها مع إسرائيل انطلاقاً من جبهة الجنوب. فما يفرض تلك الحدود جملة عوامل منها ما هو لبناني وعدم قدرة لبنان المأزوم على احتمال أي حرب مدمرة، لكن العامل الأهم والحاسم وفق معظم مصادر المعلومات هو التواصل الأميركي الإيراني الذي واكب انطلاق الحرب الإسرائيلية على غزة، والذي يؤدي إلى «تنظيم» إيقاع المواجهات العسكرية الناجمة عن تفاعلات الحرب في جبهات الإقليم الأخرى.
مقابل التخبط الإسرائيلي في طرح أهداف الحرب، ولا سيما الحملة البرية، تارة بالقضاء على «حماس»، وأخرى بالحد من قدراتها العسكرية وثالثة بإقامة حزام أمني يضمن حماية غلاف غزة في أراضي 1948، تبدو القيادة الإيرانية بدورها محرجة، ومعها «حزب الله»، من محدودية القدرة على نجدة غزة، عبر فتح جبهات لبنان وسوريا والعراق واليمن، بعدما هيأت لنظرية وحدة الساحات والجبهات طوال السنوات القليلة الماضية، وهدد رموز أذرعها بفتح الجبهات غير مرة. فما وعدت به طهران من تصعيد عسكري في المنطقة رداً على الانتقام الإسرائيلي الإجرامي بدا صعباً تحقيقه بعد الحشد الأميركي العسكري ولا سيما في مياه الخليج، بهدف ردع إيران. وهو الهدف الذي لم تخبئه الإدارة الأميركية، والذي دفع إلى بعض التعقل في مبادرة محور الممانعة إلى توسيع الحرب، الأمر الذي قابلته واشنطن بالضغط على إسرائيل كي تتجنب تحقيق طموحاتها في توسيع الحرب بمبادرة منها، بذريعة توجيه ضربة إلى «حزب الله» اعتقاداً منها أنّ التضامن الدولي الكاسح معها هو الظرف المناسب لذلك.
تبرير المسؤول الإيراني المقرب من خامنئي عدم الانزلاق إلى الحرب، بالرغبة في تجنب المواجهة مع الولايات المتحدة، يصبح أكثر واقعية وعقلانية إذا أضيفت إليه معطيات تفيد بأن مسؤولين أميركيين تبلغوا من ميليشيات موالية لطهران في العراق وسوريا بأن عليهم أن يتفهموا بأن الاستهداف المدروس لمواقع تتواجد فيها قوات أميركية هي «لامتصاص النقمة الشعبية والسياسية» على الولايات المتحدة وإسرائيل بفعل الوضع الإنساني المزري جراء ممارسات إسرائيل في غزة. وهذا ما يفسر محدودية الإصابات التي تسببها ضربات الممانعين لقواعد أميركية.