من أركان علم النفس نظرية التحليل النفسي، التي يوجد إجماع أو ما يشبهه، على أن سيغموند فرويد هو واضعها في أواخر القرن التاسع عشر، وتعنى بتنظيم شخصية الفرد وآليات تطورها، والمؤثرات المختلفة التي توجهها وتُكوّن سماتها. وعلم النفس أحد فروع العلوم الإنسانية المهمة، وأكثرها اتصالاً بدراسة وتحليل الشخصية الإنسانية بكل ما يعتمل في داخلها من ميول، قد تبلغ في الكثير من الحالات حدّ التناقض، ومن هذا العلم نشأ فرع مهم من فروع الطب، هو الطب النفسي؛ لمساعدة من يجدون أنفسهم تحت ضغوط الحياة المختلفة في التغلب على آثارها التي تنغص حياتهم.
وما أكثر ما لجأ الدارسون إلى مناهج التحليل النفسي وأدواته؛ لبحث سلوك الكثير من الزعماء المثيرين للجدل في التاريخ والحاضر، ممن عرفوا بغرابة الأطوار أو الميل إلى المغامرة والطغيان، الذي يبلغ بهم حدّ الشعور بالمتعة أو اللذّة في البطش لا بخصومهم فحسب، وإنما حتى بشعوبهم، بدراسة عُقد هؤلاء الطغاة النفسية، وظروف طفولتهم ونشأتهم، وأثر هذا في تكوين شخصياتهم أولاً، وفي مسار الأحداث السياسية في لحظات تاريخية معينة؛ كون هؤلاء صاروا في مواقع القرار.
ADVERTISEMENT
لا يقلل عالم الاجتماع العراقي علي الوردي من أهميّة علم النفس؛ كونه علماً يدرس شخصية الإنسان كفرد قائم بذاته، بمجموعة الصفات الخاصة التي تميز هذا الفرد عن سواه من الأفراد، لكنه لا يراه كافياً لدراسة الشخصية الفردية؛ حيث يتعين دراسة الفرد بكونه ابن المجتمع الذي نشأ فيه، ويقول، إن علماء الاجتماع يجمعون على أن الفرد والمجتمع ما هما إلا وجهان لحقيقة واحدة، وهذا ما يجعلنا نلاحظ، برأي الوردي، الذي نتفق معه تماماً، أن «أبناء المجتمع الواحد متشابهون في كثير من صفاتهم الشخصية، إنهم يتفاوتون عادة، في بعض دقائق الصفات العامة، تفاوتاً يجعل لكل فرد منهم شخصيته الخاصة به، ولكنهم رغم ذلك يتشابهون في الخطوط الرئيسية لتلك الصفات».
الفرد ابن بيئته، ابن مجتمعه، طاب له ذلك أم لم يطب، انسجم مع ذلك أو تمرد عليه، فحتى في هذا التمرد سيظل حاملاً للجينات المجتمعية التي انصهرت في تكوين شخصيته، نفسياً وثقافيا وسلوكياً، وستبقى في داخله حتى الممات، وإذا كان صحيحاً أن هناك مساحة لنزوع المشروع لحرية الفرد الشخصية، وفي اختياراته في الحياة، إنسانياً ومهنياً، وأن الأمر يتفاوت من مجتمع إلى آخر، فالمجتمعات لا تتساوى في ما تمنحه لأفرادها من مساحة خاصة لحريتهم الشخصية، لكن المرء، سيدرك، ولو في نهاية المطاف، أنه ليس حراً في كل ما هوي.

