أول ما فعله الانقلابيون في النيجر تعطيل الأحزاب السياسية، دائماً يخشى العسكريون السياسيين، ومع أنهم يتحولون سريعاً إلى سياسيين يمارسون نفس السياسات التي تعذروا بها للقيام بانقلاباتهم إلا أن شهوة السلطة تجمع بينهم !
لا أعرف بلداً تقدم كثيراً بعد وقوع الانقلاب العسكري، معظم الدول التي تقدم فيها العسكريون لتولي السلطة تردت أوضاعها وانهارت اقتصاداتها ولم تتحسن ظروف معيشة مواطنيها، فتشوا في التاريخ الحديث وستجدون نماذج عديدة على بلدان أضاعت الكثير من عمرها في معالجة خطايا انقلابات عسكرها أو تراجعت نهضتها وانتكس ازدهارها، وفي عالمنا العربي نماذج ما زالت بعض الأجيال شاهدة على ذلك، منها مصر التي شكل انقلاب الضباط الأحرار انتكاسة كبرى في مسيرة كانت تضع مصر في مصاف دول العالم الثاني، فجاءت حفنة من الضباط الجهال ليمارسوا تجاربهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية على حساب حاضر ومستقبل المجتمع، والبعض اليوم لا يصدق مقاطع أفلام تصور الحياة في مصر خلال مطلع القرن الماضي وحتى عقد الأربعينات، ويتحسر كيف كانت مصر في العهد الملكي وكيف أصبحت في عهد العسكر !
الأمر لا يختلف كثيراً في دول عربية مثل سورية والعراق وليبيا والسودان غرقت في مستنقع الفقر والفشل بسبب انقلابات العسكر !
كانت الأنظمة الملكية العربية توصف بأوصاف عديدة من قبل الثوريين، لكن الزمن خير شاهد أين أصبحت تلك الدول ذات الأنظمة الملكية اقتصادياً وتنموياً واجتماعياً وأين أصبحت دولهم، فالشعارات لا تصنع رفاهية ولا تزهر اقتصاداً ولا تحقق أماناً !
ينسب للزعيم الصيني التاريخي دينغ شياو بينغ، الذي مهد الطريق للصين للانتقال إلى المستقبل وتحصد اليوم ما بذره: «إن الزعماء والقادة رجال بشر وليسوا آلهة»، أي يجتهدون ويصيبون ويخطئون، لكن الجنرالات عندما تحملهم دباباتهم إلى قصور السلطة يظنون أنهم قادمون لإنقاذ البشر، وسرعان ما يتلبسهم شعور أنهم آلهة يتحكمون بالحياة نفسها، ولا يفيقون من هذا الشعور إلا عندما يشاهدون دبابات عسكر جدد تخترق بوابات قصور سلطتهم !